مصر تحقق نموا اقتصاديا غير مشهود في الشرق الاوسط
بعد مرور أربعة أعوام على تحرير سعر الصرف والمراهنة على انتعاش الاقتصاد المحلي من خلال برنامج إصلاحي تقشفي، نجحت مصر في تحقيق بعض النمو على عكس كل الدول المحيطة بها، لكن أعدادا كبيرة من المصريين لا تزال تعيش في فقر مدقع. ورفع صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر الشهر الماضي توقعاته بشأن معدل النمو المتوقع في مصر بنهاية العام الجاري إلى 3,6% بدلا من 2%، مشيرا الى أن مصر ستكون البلد الوحيد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الذي سيحقق معدل نمو إيجابيا.
وحقق الاقتصاد المصري نموا بنسبة 5,6% بنهاية 2019. وكانت الحكومة المصرية تتوقع أن يصل إلى 6% بنهاية هذا العام، لكن جائحة كوفيد-19 التي سجلت حتى الآن 108122 إصابة في مصر بينها 6305 وفيات، حالت دون ذلك والتعويم جزء من برنامج إصلاحي اقتصادي بدأته الحكومة منذ 2016 وحصلت بموجبه على قرض قيمته 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي وشمل إجراءات أخرى مثل إلغاء دعم الطاقة وفرض ضرائب جديدة ويقول مدير مركز دلتا للأبحاث في القاهرة المحلل الاقتصادي أحمد الصفتي إن تحرير سعر الصرف الذي أدى الى تدهور قيمة الجنيه بنسبة النصف تقريبا، كان له دور في دفع معدل النمو، إذ ساهم في تسجيل بعض عناصر ميزان المدفوعات ارتفاعا مثل السياحة وتحويلات المصريين في الخارج التي تتم بالنقد الأجنبي.
الإصلاحات لها فاتورة، لكن كان من الممكن أن يكون الثمن باهظا أكثر لو لم تقم الحكومة بها ويضيف أن قرار البنك المركزي رفع سعر الفائدة بينما كان سعرها متدنيا في دول أخرى، أدى إلى “زيادة استثمارات الأجانب في الأوراق المالية الحكومية وخصوصا أذون الخزانة ويشير الى أن رفع سعر الفائدة بعد استقرار سعر الصرف وضمان البنك المركزي المصري استرداد الأجانب أموالهم وقتما رغبوا في ذلك “جذب الكثير من المستثمرين حتى في ظل جائحة كوفيد-19”.وأفادت إحصاءات البنك المركزي المصري عن ارتفاع إيرادات السياحة لتسجّل خلال العام المالي 2018-2019 نحو 12,6 مليار دولار، متخطية إيرادات عام 2010.
وسجلت تحويلات المصريين في الخارج مستوى تاريخيا في 2019-2020 إذ بلغت نحو 28 مليار دولار، حسب إحصاءات البنك الرسمية لكن هذه المداخيل والاستثمارات والنمو لم تنجح في خفض نسبة الفقر التي ارتفعت في البلاد. وزاد الوباء من تعقيدات الوضع، لا سيما بالنسبة الى العاملين في القطاع غير الرسمي البالغ عددهم نحو أربعة ملايين وفقا لجهاز الإحصاء المصري، وقد باتوا مهددين بفقدان أعمالهم.
وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن نسبة الفقر في مصر وصلت إلى 32,5% في 2017-2018، مقابل 27,8% في 2015، أي بزيادة قدرها 4,7%. ويقول الصفتي “الإصلاحات لها فاتورة، لكن كان من الممكن أن يكون الثمن باهظا أكثر لو لم تقم الحكومة بها في المقابل، يحذر بعض المحللين من “تضليل وترى المحللة في الاقتصاد السياسي سارة سميرشاك أن “البرامج الاجتماعية التي تديرها الدولة تُعد قطرة في محيط، ولا تنجح في الوصول إلى ملايين المحتاجين”.
وتقول سميرشاك “الأرقام التي تم طرحها من المؤسسات المالية الدولية مضللة للغاية”، موضحة أن العام المالي في مصر يمتد من أول تموز/يوليو حتى نهاية حزيران/ يونيو. وتبعا لذلك، فقد تأثر العام المالي 2019-2020 ببضعة أشهر فقط في فترة أزمة كوفيد-19 التي بدأت في البلد العربي الأكثر سكانا (مئة مليون نسمة) في آذار/مارس، في حين تتزامن السنة المالية مع السنة الميلادية في معظم بلدان المنطقة الأخرى، وهو ما يفسر سوء معدلات النمو فيها.
وإذا كان الصفتي يؤكد أن الإنفاق الحكومي الكبير على مشروعات البنية التحتية ساهم في دعم معدل النمو بشكل حقيقي، تشير سميرشاك المحاضرة السابقة في جامعة أوكسفورد، الى أن المشروعات الكبرى التي تنفذها الحكومة تمّ تمويلها بنسبة كبيرة من خلال الاستدانة. وبالتالي، يتعين على مصر سداد هذه الديون، ما يعني أن “الأرقام التي تزيد من الناتج المحلي الإجمالي الآن يجب سدادها بفوائد في المستقبل”.
ومنذ أن تولى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رئاسة البلاد في 2014 وهو يركز على تطوير البنية التحتية وبناء المدن الجديدة، فضلا عن عاصمة إدارية في شرق القاهرة. وتقول سميرشاك “كان سيكون الأمر جيدا لو كانت الأموال (الديون) تُستثمر في مشروعات يُتوقع أن تدر عوائد كبيرة ومستدامة، ولكن من غير المرجح أن يكون هذا هو الحال مع الخطط الحالية وارتفع الدين الخارجي في مصر، حسب أحدث الإحصاءات الرسمية، ليبلغ 111,2 مليار دولار مقابل 48 مليار دولار في 2015. ويقول جابر إن المشروعات الكبرى التي تنفذها الحكومة “جيدة جدا وتوفر فرص عمل لبعض الناس وستجعل شكل مصر جديدا، ولكن هناك فئة كبيرة من الشعب قد لا تستفيد”
صحيفة رأي اليوم الالكترونية