مصر عشية «25 يناير»: الدولة الخائفة!

مفارقة تاريخية يشهدها الشارع المصري عشية الذكرى الخامسة لـ «ثورة 25 يناير»: خصوم الثورة، الثوار، والدولة، يتفقون على أن الخامس والعشرين من كانون الثاني الحالي لن يشهد احتجاجات كبيرة، ولن تحتشد الجماهير في الميادين.. والكل يرجع ذلك لأسبابه المختلفة.

الدولة المصرية وأنصارها يتباهون بشعبية النظام المفترضة، ويؤكدون أن أية دعوات للتظاهر في ذكرى الثورة، سواء للاحتجاج او حتى الاحتفال، لن تقابل بالاستجابة سوى من قبل العشرات، وأن الأمن لن يضطر الى مواجهتها، لأن الجماهير المؤيدة للنظام الحالي ستتكفل بها!

من ناحيتها، لا ترى القوى الثورية ـ أو معظمها ـ أن الوقت مناسب للدعوة الى التظاهر، في ظل الاستنفار الأمني وبطش أجهزة الدولة، وهي برغم معارضتها للنظام وسياساته، الا أنها لا تسعى للصدام معه، على الأقل في الوقت الحالي، لأسباب عدّة.

هذا الاتفاق على أن الذكرى الخامسة للثورة لن تشهد ما تخشاه الدولة المصرية، لم يمنع أجهزتها من اتخاذ إجراءات واحتياطات غير عادية، لم تتخذ حتى تجاه أحداث أخرى متوقعة.

وقبل أيام من ذكرى الثورة، قامت أجهزة الأمن بتفتيش آلاف الشقق في محيط ميدان التحرير. ونقلت وسائل إعلام عن مصدر أمني أن حوالي خمسة ألاف شقة جرى تفتيشها في الأيام السابقة. هذا الإجراء الاستثنائي، لا يذكر التاريخ أنه اتخذ من قبل، ولا حتى في أزمنة الحروب.

حشد النظام المصري ايضاً مؤسساته الإعلامية والدينية للتحذير من النزول في «25 يناير»، وانبرت الأقلام الموالية للنظام في التصدي لفكرة النزول. كما اعتقلت أجهزة الأمن العديد من الناشطين السياسيين، من اتجاهات مختلفة، ولاحقت صفحات الإنترنت التي تتحدث عن النزول في ذكرى الثورة، من ضمن إجراءات عدّة، صارت تتزايد كلما اقترب الخامس والعشرين من كانون الثاني.

لا يمكن فهم الخوف الواضح من ذكرى «ثورة 25 يناير»، التي ألقي عدد كبير من مؤيديها في السجون، إلا في سياق سياسة الدولة المصرية نفسها، فدعوات التحريض الخافتة وغير المجدية لا تمثل خطرا يذكر، ولكن ما تقدم عليه الدولة يوميا هو ما قد يمثل محركا لأحداث في المستقبل.

وقبيل ذكرى الثورة، كانت الحكومة المصرية ترفع أسعار مياه الشرب والكهرباء، في خضم موجة ارتفاع كبيرة في أسعار باقي السلع، بما بات يشكل ضغطاً كبيراً على الطبقات الفقيرة. يحدث هذا بينما تستعد الدولة لتطبيق ضريبة القيمة المضافة، والتي ستؤدي إلى موجة تضخم أخرى قد لا تكون محتملة، فضلا عن توجه معلن لإلغاء الدعم على الوقود بالكامل، بعد خفضه مرات عدّة، ما يعني ارتفاعاً في أسعار الوقود، ينتج ارتفاعاً آخر في أسعار باقي السلع والخدمات، ناهيك عن ارتفاع أسعار الواردات نتيجة تراجع قيمة الجنيه.

الضغوط الاجتماعية التي وقعت على الطبقات الفقيرة في الفترة السابقة تركت اثراً كبيراً في الشارع المصري. فبعد غياب الاحتجاجات بسبب التشريعات المقيدة لحق التظاهر والاحتجاج، بدأت التحركات العمالية تعود الى الظهور بقوة على الساحة في الفترة الأخير. وشملت تلك الاحتجاجات مراكز عمالية ذات شأن وتأثير في الحركة العمالية، مثل «شركة غزل المحلة»، و «الحديد والصلب»، و«السكة الحديد»، بالاضافة الى احتجاجات الموظفين وحملة الماجيستير والدكتوراه. وبالرغم من أن تلك الاحتجاجات لم تحمل طابعاً سياسياً، إلا أنها بددت جزءاً من جهود النظام المصري في القضاء على الاحتجاج وإعادة الشارع المصري إلى عهد قانون الطوارئ.

تدرك الدولة المصرية أن سياساتها الاقتصادية والاجتماعية تمثل ضغطاً كبيراً على الطبقات الفقيرة، وأن هذا الضغط أصبح يولد ردّ فعل، وأن خطاب الاصطفاف الوطني في مواجهة الإرهاب لم يعد له التأثير الذي كان عليه قبل عامين. وربما كان رفض قانون الخدمة المدنية الذي احتج عليه الموظفون من قبل البرلمان قبل أيام من ذكرى الثورة أكثر ما يدل على طبيعة مخاوف القائمن على الحكم في مصر، حتى أنّ نواباً محسوبون على النظام، صوتوا ضد القانون الذي دافعت عنه الحكومة باستماتة، وبرروا موقفهم بخطورة الموافقة عليه قبل ذكرى الثورة.

ويبدو أن مخاوف النظام لم تكن كافية، اذ انضم إليها سوء الحظ، فقبل أيام من ذكرى «ثورة 25 يناير»، تبدو بوادر انتفاضة جديدة في تونس، انطلقت من القصرين والكاف وامتدت لتشمل ثماني مناطق. واللافت أن ما حدث في تونس أطلقته أسباب متوفرة بوضوح في مصر. وبدأت تظاهرات القصرين، عندما انتحر جامعي عاطل عن العمل احتجاجا على الفساد في التوظيف، بينما يتظاهر أسبوعيا حملة الماجيستير والدكتوراه في مصر للمطالبة بالتوظيف، ويعاني خريجو كلية الحقوق المتفوقون من رفض تعيينهم في النيابة والقضاء بسبب أوضاع أسرهم الاجتماعية.

تعيد هذه الأحداث الى الأذهان التأثير الذي تركته الثورة التونسية في العام 2011 على مصر، وتحفيزها لـ «ثورة 25 يناير».

ربما نجحت الدولة في الفترة الماضية في تشويه الثورة وكل ما ينتمي إليها، وأصبح ظهور أعداء الثورة من قضاة وإعلاميين ومسؤولين يتحدثون علانية في وسائل الإعلام عن «نكسة يناير» و «25 خساير» و «المؤامرة»، وأصبحت فزّاعة انهيار الدولة ومصير سوريا والعراق أدوات تشهر في وجه كل من يتحدث عن «ثورة 25 يناير»، حتى أن المشاركة في الثورة ذاتها أصبحت تهمة توجهها النيابة رسميا للبعض، مثلما اتهمت النيابة الطبيب اليساري طاهر مختار بالمشاركة في «أحداث يناير 2011».

برغم كل ذلك، تبقى ثورة يناير الذكرى الأكثر إزعاجا للنظام الحالي، ليس بسبب ما حدث قبل خمس سنوات، ولكن بسبب ما يعتقد أنه قد يحدث في المستقبل.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى