مصطفى محرم يدرس أفلام السيرة الذاتية عند يوسف شاهين (أيمن رفعت)

 

أيمن رفعت

 

لا يعتبر يوسف شاهين السينما صناعة وإنما هي مثل تجارب أو مزاج شخص أو وسيط خاص يقول من خلاله كل ما يعن له من فكر وقول بالشكل الذي يقدر عليه.
والسؤال الذي نريد أن نطرحه ونحب أن يشاركنا في الإجابة عليه كل من تتوفر لديه الفرصة فيقرأ ما نكتبه، هل كل ما يريد أن يقوله يوسف شاهين وبالشكل الذي يقدر عليه يعتبر فنًا حقيقيًا؟ ذلك السؤال يذكرنا بقول فيلسوف علم الجمال بيتر تيوكروتش، بأن الفن تعبير ولكن ليس كل تعبير فنًا. فهل ينطبق هذا الكلام على فن يوسف شاهين؟
يقول الكاتب والسيناريست مصطفى محرم في مدخل كتابه "يوسف شاهين.. أفلام السيرة الذاتية".. لا أحد ينكر بأن يوسف شاهين مخرج عظيم وأنه بحرفيته العالمية نستطيع أن نضعه ونحن في غاية الارتياح الفني بين عمالقة الإخراج السينمائي في العالم. ولكن منذ أن اقتحمت رأس يوسف شاهين إلماحة خبيثة بأنه مفكر سياسي، دخل هذا العبقري في شاهة فنية لم يخرج منها حتى الآن.
ويضيف الكاتب: من الملاحظه أن حوارات يوسف شاهين مؤخرًا أصبحت تتميز بالجرأة السياسية والعمق الفكري مع النقاد العرب مثل إبراهيم العريس ووليد شميط وسمير فريد.
ومن الملاحظ أيضًا، أنه يحاول أن يرفع من قيمة أفلامه الأولى عن طريق هذه الحوارات، رغم أننا لا نجد في بعضها هذا العمق الفكري الذي يتحدث عنه في كلامه عن أول فيلم له "بابا أمين 1950" وفيلم "ابن النيل 1951"، وفيلم "سيدة القطار 1952"، والملاحظ أيضًا في معظم أفلام يوسف شاهين أن طموحه الفكري أكبر من قدراته الإبداعية، خاصة في مجال السيناريو، وبالتحديد في أفلامه التي جاءت بعد فيلم "الأرض".
وقد لجأ يوسف شاهين في أفلامه الأخيرة إلى اختيار شريك له في كتابة السيناريو، اختار الممثل محسن محيي الدين واختار مساعده في الإخراج يسري نصر الله واستقر به الأمر أخيرًا إلى اختياره لمساعده الذي أصبح الآن مخرجًا سنيمائيًا وهو خالد يوسف.
ويقول الكاتب: عندما وضع يوسف شاهين نفسه في مصاف عباقرة الفن السينمائي في العالم، وهذا في الحقيقة ليس كثيرًا عليه، حاول أن يتمثل بهم، قرر أن يقدم أفلامًا عن سيرته الذاتية مثل فيلليني وكازان ويرجمان وبوب فوس وغيرهم. وربما اكتفى معظم هؤلاء العظماء بفيلم واحد عن سيرتهم الذاتية، ولكن يوسف شاهين لم يكتف بفيلم واحد، إذ وجد أن حياته تتميز بالثراء الذي يجعله يحولها إلى أعمال فنية، ولذلك قدم لنا أربعة أفلام.
بدأ يوسف شاهين هذه الرباعية بفيلم "إسكندرية.. ليه" الذي يعتبره النقاد من أفضل أفلامه وأفضل أفلام هذه الرباعية. والفلم الثاني "حدوتة مصرية".. والفيلم الثالث وهو أضعف وأغرب أفلام هذه الرباعية "إسكندرية كمان وكمان"، أما الفيلم الرابع فهو الذي أثار اهتمامًا وهذا الفيلم هو "إسكندرية.. نيويورك".
ويرى الكاتب مصطفى محرم أن يوسف شاهين يتقن اللغة السينمائية إتقانًا لا يدانيه في مصر حتى الآن أي من المخرجين، وإدارته للمثل لا تنفصل عن لغته السينمائية هذه في حين أننا نجد عند معظم المخرجين المصريين أن حركة الممثل في كثير من الأحيان ليس لها أية علاقة باللغة السينمائية.
أما بالنسبة لاهتمام يوسف شاهين بالممثل، فأنا أذكر أن أحد النقاد طرح عليه سؤالًا بما يفيد بأنه قد أصبح يبدي اهتمامًا زائدًا مع الممثلين مقارنة باهتمامه في الماضي بالكاميرا واللقطة أكبر. وأجاب يوسف شاهين بأنه في الماضي كان التكوين نفسه يساعده على إيصال المعنى حتى إذا لم يتمكن الممثل من إيصال المعنى. ومن المقبول أن التطور الذي أصابه هو أنه بات "أكثر ثقة وإيمانًا بقدرة الفنان العربي وبت أتفاعل معه ضمن هذا الإطار".
ويذكر الكاتب: لم يكن يوسف إدريس يريد أن يخترق عالم السينما مكتفيًا بأن يكون كاتب قصته فقط، ولكنه يريد أن يتمثل أيضًا بنجيب محفوظ وكذلك إحسان عبد القدوس أحيانًا، ولكن محاولاته باءت بالفشل، فلم يتحقق النجاح الذي يجذب المنتجين ناحيته، وجاءت فترة كنت آراه في كل العروض الخاصة للأفلام المصرية. وأراد يوسف إدريس أن يرتبط اسمه باسم مزج له شهرته مثل يوسف شاهين، ونجم سينمائي في هذه الفترة وورد اسم النجم الأكبر عادل إمام.
وانتظر الجميع هذا التعاون الكبير بين هؤلاء العمالقة ولكن لمعرفتي بهؤلاء الثلاثة لم أتوقع أن يتم هذا التعاون، ويبدو أن عادل إمام أدرك طبيعة الموضوع الطموح الذي يدور بين المخرج والكاتب فلم يكن لديه في هذه الفترة من حياته الفنية الشجاعة الكافية على أن يغامر ويقدم هذه النوعية من الأفلام، ولذلك فإنه آثر الانسحاب.
وقام نور الشريف بدور المخرج في الفيلم بدلًا من عادل إمام وخرج علينا الفيلم بعنوان "حدوتة مصرية".
ويضيف الكاتب: كتب كثير من النقاد عن فيلم "حدوتة مصرية" فتمادى أحد النقاد قائلًا إن هذه القضية تطرح نفسها بحدة في فيلم "حدوتة مصرية"، حيث يبدو شاهين شديد التأثر بنمط الحضارة الغربية وفكرها وثقافتها. وكأن هذه الثقافة التي نطمح كلنا إلى التزود منها بأكبر قدر ممكن هي جرعة ارتكبها يوسف شاهين في حق نفسه وكأن عليه أن يقنع فقط بالثقافة المصرية. هل هناك شوفونية أكثر تطرفًا من هذا التفكير الساذج؟
ويشير الكاتب إلى لقاء الناقد وليد شميط مع يوسف شاهين في حديث ضمنه كتابه لم يتطرق الحديث عن فيلم "إسكندرية كمان وكمان" إلى النواحي الفنية للفيلم بل تحول الأمر إلى كلام في السياسة والتاريخ.
ومن الأمثلة التي يطالعها القارئ على لسان المخرج الكبير بالنسبة لفيلمه الذي آثار الحيرة عند الكثير هي كالآتي: "التاريخ موجود بقوة عبر شخصيات تاريخية لعبت دورًا في تاريخ الإسكندرية مثل الإسكندر وكليوباترا ، نحن خلاصة التاريخ كله ، لذلك فالتاريخ في غاية الأهمية".
ويقول أيضًا في جزء آخر من اللقاء: "لا أستغرب الردة الأصولية الرجعية التي نشهرها اليوم في العالم كله وليس عندنا فقط.
لا أعرف ما علاقة كل هذا بفيلم يدور ببساطة في معظمه حول علاقات عاطفية متنوعة بينها علاقة مشكوك في طبيعتها بين مخرج كبير وممثل شاب يتمرد على علاقته بهذا المخرج. وعندما يستمع المخرج الكبير إلى لوم من مساعده عن تهافته على هذا الشاب فإنه يغني أغينة بما معناه "خذوا عيني وشوفوا بيها" وهذا قول في الحقيقة لا يقال إلا عند حب رجل لامرأة أو العكس.
وفي نهاية هذا الكتاب، يقول الكاتب: ولا يعني هنا أن أختم هذه الفصول بما قاله المخرج الكبير صلاح أبو سيف: فذكر رأيه في كمال الشيخ وبركات. ولكن الذي يهمنا هنا هو رأيه في يوسف شاهين، حيث قال: "قدم شاهين أفلامًا مثل "الأرض" و"باب الحديد" وغيرها من الأفلام الجيدة ، أما أفلامه الأخيرة فأنا لا أفهمها وبعض مشاهدها تبدو غريبة على مجتمعنا.
يذكر أن كتاب "يوسف شاهين.. أفلام السيرة الذاتية" للكاتب مصطفى محرم صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ويقع في 155 صفحة من القطع المتوسط. (خدمة وكالة الصحافة العربية)

ميدل ايست أونلاين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى