مصطلحات عربيّة وإسلاميّة في الصحف الأجنبيّة

منذ بضع سنوات، يشهد العالَم العربي في مختلف أصقاعه ما أُطلِق عليه اسم “الربيع العربي” أو “ثورات الربيع العربي”. لا يهمّنا هنا، في سياق حديثنا هذا سواء أكان هذا الربيع مزهراً أم أشبه بالصيف الخانق، بل يهمّنا أن نراقب كيف وصفته الصحف الأجنبيّة، وخصوصاً الإنكليزيّة والفرنسيّة منها، وما قالته عن هذه الظاهرة.

لقد رافقت هذا الربيع موجاتٌ كبيرة من الهجرة من الجنوب إلى الشمال، أي من العالم العربي إلى العالم الغربي، وهي حركة تتمّ منذ عشرات السنين بشكلٍ شبه منظَّم ومبرمَج، عبر السفارات والهيئات المختصّة وغيرها. إلاّ أنّها اتّخذت شكلاً جديداً، منذ بضع سنين، مع اندلاع الثورات والانقلابات على السلطة، وانحراف الثورة في بعض مواقعها عن أهدافها الأساسيّة، وتحوّلها إلى صراعاتٍ دمويّة تعمّها الفوضى والعنف. ففاضت البحار بالمهاجرين غير الشرعيّين المتّجهين نحو ملاذٍ آمن ومستقبلٍ أفضل، بعيداً عن هذا الربيع الذي أضناهم. أمام هذه الظاهرة، تتالت المقالات والتقارير الصحافيّة حول هؤلاء المهاجرين وغرقهم وأحوالهم، ولاسيّما في الصحف الأجنبيّة التي حاول بعضها أن يثير شفقة قرّائه على هؤلاء الناس، فيما حاول بعضها الآخر إظهار الخطر الذي يشكّلونه على المجتمعات الغربيّة. ولعلّ هؤلاء قد نسوا أنّ تدفّق الأجانب هذا يجري منذ سنواتٍ عدّة، وأنّ المجتمعات الإسلاميّة موجودة في الغرب منذ زمنٍ ليس بقريب. ولا شكّ أنّ الصحف خير دليلٍ على هذا الوجود، فإذا ما نظرنا إلى عناوين الصحف الأجنبيّة ومضمون مقالاتها، ولاسيّما الفرنسيّة والإنكليزيّة منها، قبل الربيع العربي وبعده على حدّ سواء، نجد أنّ الألفاظ العربيّة والإسلاميّة ترد فيها بكثرة وفي مختلف المجالات.

ما يثير اهتمامنا هنا هو البحث عن طبيعة هذه الكلمات والمصطلحات الدخيلة في الخطاب الأجنبي وعن كيفية ظهورها في الخطاب الإعلامي، وخصوصاً في التراكيب اللغويّة.

لقد قمنا بدراسةٍ موسّعةٍ لورود هذه الألفاظ العربيّة في الصحف الأجنبيّة خلال السنوات العشر الأخيرة، ولاحظنا أنّها تنتمي إلى مجالاتٍ متعدّدة ولا تنحصر في مجالٍ واحد فقط. فقد نجد كلماتٍ تتعلّق بمجال الطعام، ثمّ نجد غيرها تتعلّق بمجال الحرب والمقاومة والجهاد، ثمّ نجد مجموعة أخرى تتناول الموضوعات المصرفيّة والماليّة. ويختلف ذلك باختلاف الأحداث التي تجري في العالَم العربي، ووفقاً للموضوع الذي يعالجه الصحافي والكلمات التي يختارها في مقاله. وبذلك نجد أنّ كلماتٍ عديدة مُستعارَة من العربيّة ترد في صيغتها الأصليّة في الصحف الأجنبيّة على الرّغم من وجود مقابل أجنبي لها يفي بالمعنى نفسه تقريباً ويتّسم بالوضوح، ولاسيّما بالنسبة إلى القارئ الأجنبي الذي يجد ولا شكّ صعوبة في فهم الكلمة أو اللفظ العربي المكتوب بالأحرف اللاتينيّة. وقد يعود هذا الخيار إلى أسباب عدّة. أوّلها ضيق الوقت أو قلّة الإرادة، اللذان قد يدفعان الصحافي إلى استخدام الكلمات العربيّة في صيغتها الأصلية عوضاً عن مقابلاتها الأجنبيّة لتوفير الوقت والمجهود. وثانيها تفضيل اللفظ العربي على الأجنبي نظراً لما يحمله من وقْعٍ على القارئ الأجنبي، وقدرته على جذبه أكثر من الكلمات التي يعرفها واعتاد عليها. أمّا ثالثها، فهو عدم وجود مقابلٍ مناسبٍ للّفظ العربي، يفي بالمعنى المقصود. فكما يقول المفكّر الإيطالي أومبرتو إيكو، وغيره من الألسنيّين وأخصّائيي الترجمة، من شبه المستحيل أن نجد في لغتَين مختلفتَين كلمتَين مترادفتَين تماماً، إذ لا بدّ من أن تقلّ الواحدة عن الأخرى أو تزيد عليها، إمّا بوقعها، أو بكيفية استخدامها، أو بوجهٍ من أوجه معانيها. فيجد الصحافي أنّ الحلّ الأنسب لهذه المسألة يكمن في نقل اللفظ العربي كما هو، بكتابته بالأحرف اللاتينيّة، فيكتب على سبيل المثال “Daesh” للإشارة إلى داعش، أو “Califat” للإشارة إلى الخلافة.

إلاّ أنّ هذه الكتابة لا تكفي، فالقارئ الأجنبي الذي لا يملك أيّ معرفة باللغة العربيّة لن يفهم اللفظ العربي الذي أدخله الكاتِب أو الصحافي في سياق مقاله أو تقريره. لذا، نلاحظ أنّ تفاسير عدّة تصاحب هذه الكلمات لكي تفسّرها وتوضح معناها وأحياناً اختلافها عن اللفظات الأجنبيّة القريبة منها. فنرى أنّ القارئ يشارك نوعاً ما في عملية الكتابة، فيأخذ الصحافي بعين الاعتبار جهله في ما يتعلّق باللغة العربيّة، ويحاول أن يملأ هذا النقص في معلوماته عبر تفسيرات وشروحات دلاليّة، وأحياناً حتّى اشتقاقيّة. ونرى في هذا مثالاً واضحاً على ما يدعوه اللساني أنطوان كوليولي بالـ”خطاب المُشترَك” (la co-énonciation) أي اشتراك المخاطِب والمُخاطَب في قَوْلَبة الخطاب وفي اختيار كلماته وتركيبته ومستواه. فيدرج الصحافي في خطابه كلمتَي”أمانة” و”وكالة”ويضيف إليهما مقابلهما الإنكليزي:

«Perhaps we can divide the premium, a small portion being Wakalah (agency contract) and the rest Amanah (trust), […].» (“Captive Power”, in Islamic Finance Asia, 2009).

وكذلك الأمر بالنسبة إلى كلمة “زكاة” التي نقلت في المثل الآتي كما هي من العربيّة وأضيف إليها تفسيرٌ دلاليّ في اللغة الإنكليزيّة:

«Islamic banks will arrange the payment of zakat, or donations to charitable purposes, which is often listed on their financial statements. » (Mervyn K. Lewis (2007). Handbook of Islamic Banking).

كما وتُقرَن الألفاظ العربيّة في الخطاب الأجنبي بعلامات طباعيّة مميّزة، كعلامتَي الاقتباس أو تُكتب بالحرف الأسود الثخين للفت نظر القارئ إلى طابعها الجديد والغريب. وتسقط هذه العلامات تدريجيّاً مع كثرة استخدام الكلمة فتصبح مألوفة لدى القارئ الأجنبي وقد تسقط معها الشروحات والتفاسير. فنلاحظ أنّ القارئ الأجنبي يبدأ باستخدامها في خطابه الخاصّ، حتّى أنّها تدرج أحياناً في المعاجم الأجنبيّة باعتبار أنّها أصبحت كلمات من اللغة نفسها. ولا يمكن أن نعيّن على وجه التحديد متى تتبنّى اللغة الأجنبيّة اللفظ العربي، فذلك يعتمد على مدى تواتره في الصحف وترداده بين الناس. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ إدخال هذه الكلمات العربيّة في اللغة الأجنبيّة لا يتمّ بشكلٍ كامل ومتوازٍ، أي أنّه إذا كانت كلمة ما تشير إلى أشياء عدّة في اللغة العربيّة، فإنّها قد تدخل في معاجم اللغة الأجنبيّة تحت معنى واحد فقط.

لنأخذ على سبيل المثال كلمة “حلال” التي أُدخلت إلى اللغة الفرنسيّة في العام 1987 بحسب معجم “لو بوتي روبير” (Le Petit Robert). يشير هذا المعجم إلى أنّ كلمة “حلال” تنتمي إلى المجال الديني، وأنّها تشير إلى لحم الحيوان المذبوح بحسب التعاليم الإسلاميّة. إلاّ أنّها لا تشير في اللغة العربيّة إلى “اللحم” فحسب، بل إلى كلّ ما هو قانوني تبعاً للشريعة الإسلاميّة، سواء أكان ذلك يتعلّق بالزواج أم بالطعام أم بالمال أم بغير ذلك. ونرى أيضاً في مقالة نشرت في الصحيفة الفرنسية “لو كوريي انترناسيونال” (Le courrier international) أنّ كلمة حلال عادت واتّخذت دلالات جديدة في اللغة الفرنسيّة، فصارت تشير إلى أمورٍ لا حاجة لها بأن تكون حلالاً أو غير حلال مثل مساحيق التجميل:

« Les jeunes Indonésiennes qui veulent porter le voile et rester à la mode ont de plus en plus de cosmétiques halal à leur disposition » («Indonésie : Halal Beauté», in Le Courrier international, 21/08/2013).

ونجد مثالاً آخر هو كلمة “جهاد” التي دخلت أيضاً في اللغة الفرنسيّة في العام 1870، والتي يعطيها المعجم نفسه تعريف الحرب المقدّسة في سبيل نشر الإسلام والدفاع عنه. فيما تعريف هذه الكلمة بحسب اللغة العربيّة والإسلام هو كلّ ما يقوم به المسلم في سبيل دينه وربّه، كالتعلّم والعمل وغيرهما من الأعمال الحسنة أو المفيدة التي تتطلّب مجهوداً. ولذلك يميّز الدين الإسلامي بين الجهاد الأصغر والجهاد الأكبر.

تدلّ كلّ هذه الأمثلة، وغيرها كثير، إلى أنّ الاحتكاك بين الشعوب، الذي يعود إلى مهد البشريّة، والذي ازداد انتشاراً في عصر العَولمة هذا، يولّد احتكاكاً بين اللغات لا محالة. فكلّما انتقلت كلماتٌ مستعارة جديدة من لغةٍ إلى أخرى، رأينا فيها دليلاً على التواصل بين الشعبَين اللذَين يتكلّمان هاتَين اللغتَين، سواء أكان ذلك بفضل التواصل الفكري أو السياسي أم بسبب الحروب والصراعات التي يعيشها أبناء هذَين الشعبَين.

*باحثة وأستاذة جامعيّة من لبنان

نشرة أفق (تصدر عن مؤسسة الفكر العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى