مساحة رأي

مظاهرات في سورية!!

عماد نداف

لم أشاهد مظاهرات مطلبية أو احتجاجية في سورية إلا في عدة مراحل، واحدة منها تعود إلى أيام الانفصال، وكانت تجري من دون رد فعل للسلطات، رغم صخبها أحيانا، ورغم قساوة عباراتها الجارحة، تلك المظاهرات والإضرابات الطلابية طالبت الحكام الذين أسقطوا الوحدة بعودة عبد الناصر والوحدة وشتمت الانفصاليين الذين حكموا بعده، وكنت أتفرج عليها في الشوارع وأنا طفل صغير، وأحفظ إلى الآن بعض شعاراتها.

الحالة الثانية من مشاهداتي لمثل هذا النوع من التظاهر كانت في عام 2011، وشاهدتها وحفظت هتافاتها، ولكيلا أدعي البطولة، خفت من المشاركة فيها، وقد لاقت مثل هذه التظاهرات قمعا تعسفيا وقتلاً بالرصاص، ونجا بعضها من هذا القمع لأسباب تعود إلى محاولة امتصاص نقمة الشارع في بداية الحراك الشعبي الواسع في ذلك الوقت.

أما الحالة الثالثة، فقد جرت خلال الشهور العشرة التي مرت بعد سقوط النظام السابق، وشاهدت العديد منها في ساحة الأمويين وغيرها من المناطق، وكانت آخر هذه المظاهرات يوم الجمعة الماضية في ساحة المرجة في قلب دمشق، وهي عبارة عن تجمع جماهيري يرفع ويهتف ببعض المطالب وقمت بتصويره كما في الصورة المنشورة.

 

 

 

 

 

وهنا لابد من الاعتراف بأنني شاهدت ((مسيرات مليونيه)) خرجت مرات كثيرة طيلة حكم الأسدين الأب والابن، وكانت موجهة للتأييد والبيعة، ويجبر العاملون في الدولة على الخروج فيها، وكان هناك من يرقع تقارير بالغائبين، وهنا أتجرأ وأقول أنني لم أشارك بأي من هذه المسيرات، ولم يسألني أحد عن عدم مشاركتي.

بمعنى آخر، كانت المظاهرات الاحتجاجية ممنوعة في سورية منذ عام 1963 عندما تولى حزب البعث السلطة في البلاد، وكان التظاهر مصيبة على من يقوم به، وربما يدفع المتظاهر حياته ثمناً لهذا الاحتجاج!

لقد حملت الوثيقة الدستورية التي أعلن عنها الرئيس أحمد الشرع بتاريخ 13 آذار 2025 بعض الحقوق التي لم تكن تمارس من قبل، وربما لم تكن موجودة أصلا في القوانين السورية، فتضمنت المادة 12 من الوثيقة الدستورية ما يلي : تصون الدولة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وتكفل حقوق المواطن وحرياته. وتعد جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها الجمهورية العربية السورية جزءا لا يتجزأ من هذا الإعلان الدستوري.

كما كفلت الدولة في المادة 13 حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة، وهذا يعني أن يإمكان الناس أن تطرح آراءها وترفع شعاراتها في تجمعات جماهيرية منظمة..

وعلى سيرة التجمعات، تسنى لي المشاركة بمثل هذه التجمعات التي قدم فيها سياسيون ومثقفون مختلفون مع الحكومة الانتقالية وجهات نظرهم وجرى نقاشها في الأماكن العامة كالمقاهي والمنتديات، ولم يعترض عليها أحد.

والغريب أن التجمع الجماهيري الذي تظاهر يوم الجمعة الماضية في ساحة المرجة كان محميا بعناصر من الأمن العام، ولم يكن يساء له بأي وسيلة متاحة، إلى لحظة مغادرتي المكان.

أريد أن أبين في المعلومات التي أوردتها قبل قليل، أن حماية هذه الحقوق عملية ضرورية، وأن وجودها وممارستها لا تضر أبدا في السلطات الحاكمة ولا في النظام والسلم الأهلي، على العكس تماما فإنها تشير إلى نوع من الحياة الحضارية في مجتمع يستحقها وعليه أن يمارسها لا أن يُمنع عنها كما أشرت في مقال سابق عن الستين سنة الماضية.

إن مشاهدة مظاهرات في المدن السورية، حتى لو تم رشقها بخراطيم المياه والهراوات هو شيء جديد في بلادنا، وعلينا أن نعتاد عليه ونجيد ممارساته باللغة السياسية وعدم المساس بالشعائر والحقوق الدستورية، ففي ذاكرتنا أحداث دامية وقعت على هذا الصعيد وأبرزها ما حصل في درعا وحمص بعد اندلاع الثورة كما لا ننسى إضرابات النقابات السورية في آذار 1980 التي أسفرت عن حل النقابات وزج المحرضين عليها بالسجن شبه المؤبد وربما القتل .

لا تعني هذه الحقائق تبييض صفحة الحكومة الانتقالية، ولكنها تريد أن تقول أن علينا تعميق الممارسات الديمقراطية وإطلاقها، والسماح بإعلام حقيقي يعكس حيوية الشارع السوري ، ويوقف زحف الفتن عبر الفضاء الأزرق غير المسؤول .

أعطونا هذه الحقوق، وأطلقوا الإعلام المسؤول عن مواقفه، لكي نسحب البساط من تحت مئات المواقع والصفحات التي تهتف إلى إثارة الحرب بين الناس وإشعال الفتن بقصد تفتيت البنى الاجتماعية وضرب المكونات ببعضها البعض.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى