معركة إدلب…مركز الأمن القوميّ يُحذّر من الحرب ويُشكّك بتأثير الضربات بسوريّة إستراتيجيًا على التمركز الإيرانيّ
تُواكِب إسرائيل وتُتابع عن كثبٍ التطورّات الأخيرة على الجبهة الشماليّة، وتحديدًا بعد القمّة الثلاثيّة التي عُقدت أمس في طهران بمُشاركة رؤساء روسيا وإيران وتُركيّا، بعد أنْ سلّمت بأنّ تأثيرها على مجريات الأحداث وصل إلى ما تحت الصفر، كما أنّ حليفها الأوثق، دونالد ترامب، تمامًا مثل رئيس الوزراء الإسرائيليّ، مشغول من أخمص قدميه حتى رأسه في الفضائح، التي قد تقود الكونغرس إلى عزله.
في ظلّ هذه الصورة القاتِمة للحليفتين الإستراتيجيتين، تل أبيب وواشنطن، وتوابعهما من الدول “الُسنيّة المُعتدلَة” وفي مُقدّمتها العربيّة السعوديّة، في ظلّ هذا التطورّات رأى الجنرال في الاحتياط عاموس يدلين، رئيس شعبة الاستخبارات العسكريّة سابقًا ومدير مركز أبحاث الأمن القوميّ التابع لجامعة تل أبيب، رأى أنّه بالنسبة لإسرائيل، فإنّه من الصواب التركيز على حدثين يرتبط الواحد بالآخر.
وتابع يدلين، الذي بات من أكثر الشخصيات أهميّةً في وضع الإستراتيجيات الإسرائيليّة، تابع قائلاً إنّه في المدى الزمنيّ الفوريّ على العيون أنْ تتطلّع إلى المعركة المرتقبة في إدلب، مُشدّدًا في الوقت عينه على أنّه في المستوى المبدئي يجب العمل باسم الهدف الاستراتيجيّ الأعلى: منع تثبيت وجود إيرانيّ في سوريّة وفي لبنان.
وأوضح يدلين أنّ الهدوء في الـ”نشاط” الإسرائيليّ في سوريّة كان بمثابة تحصيل حاصلٍ لمحاولة السماح لمجال عملٍ سياسيٍّ لروسيا في محاولاتها إيجاد صيغة للتوسّط بين المصالح المُتضاربة لإسرائيل وإيران، مؤكّدًا أنّه لم يُعطِ الجهد ثماره، وهكذا تحدث مصدر عسكريّ رفيع المستوى في تل أبيب هذا الأسبوع عن حجم النشاط الواسع الذي يقوم به الجيش الإسرائيليّ لمنع تثبيت الوجود الإيراني في سوريّة، وفي المساء نفسه تمّت مُهاجمة أهدافٍ عسكريّةٍ في شمال سوريّة، نسبتها دمشق إلى إسرائيل، وذلك على مسافةٍ غيرُ بعيدةٍ عن قوات النظام السوريّ وشركائه، الذين يستعّدون للهجوم على محافظة إدلب، والتي بنظره هي الأخيرة المتبقية تحت سيطرة الثوار.
وأشار أيضًا إلى أنّه في وقتٍ مُبكّرٍ من هذا الأسبوع عُلِم عن هجومٍ على قافلة سلاح على الحدود العراقيّة- السوريّة، استهدفت صواريخ إيرانية لميليشياتٍ شيعيّةٍ في العراق، وعن نقل قطع سلاحٍ متطوّرٍ لحزب الله، بحسب تعبيره.
ولفت الجنرال يدلين إلى أنّ المُواجهة في إدلب هناك إمكانية كامنة للصدام بين القوى العظمى وتقديم “الحلف غير المقدس” لتركيا مع إيران وروسيا، مُضيفًا أنّ الرئيس ترامب، الذي قيّد حتى الآن التدّخل الأمريكيّ في حالة الهجوم الكيميائيّ، حذّر هذا الأسبوع من أنّ “مئات الآلاف قد يُقتلون”، وأنّه لن يسمح لهذا أنْ يحصل، واستدرك يدلين قائلاً إنّه بالطبع لا يمكن للتغريدة أنْ تكون خطّةً تنفيذيّةً، ولكن في ضوء نيّة ترامب اغتيال الأسد، حسب الكتاب الجديد لبوب وود وورد، لا يُمكن تجاهل هذه الإمكانية، على حدّ تعبيره.
وبرأيه، هناك ثلاث معضلات تقف أمام ترامب: هل وضع خطوط حمراء تتجاوز استخدام السلاح الكيميائيّ؟ هل سيُهاجِم قوات أخرى لا تتماثل بوضوح بأنّها تنتمي لنظام الأسد، مثل حزب الله؟ وفوق كلّ شيءٍ: كيف ستعمل آلية منع التصعيد بين الولايات المتحدة وروسيا؟.
وأشار يدلين إلى أنّه على المستوى العمليّ، ستُواصِل إسرائيل التركيز على المعركة بين الحربين التي تُديرها ضدّ المحاولة الإيرانيّة لبناء قوّةٍ عسكريّةٍ متطورّةٍ في سوريّة وفي لبنان وربما في العراق، وأنّ للمعركة هدفان: منع التعاظم والمس بالقدرة وبالأسلحة المتطورة، وتأجيل الحرب القادمة من خلال الأثر الردعيّ حتى الآن نجحت إسرائيل في ضرب عناصر قوّةٍ مهمّةٍ للإيرانيين دون الانزلاق إلى مواجهة واسعة، أكّد يدلين.
واختتم الجنرال الإسرائيليّ المُتقاعِد تحليله بالقول إنّ معركة إسرائيل التي تقوم على أساس معلوماتٍ استخباريّةٍ ممتازةٍ وسلاح جوٍّ متفوّقٍ، لا توجد إلّا في جولتها الأولى، مُضيفًا أنّه من الحيويّ أنْ تتّم عملية مُراجعة بشكلٍ مُتواصلٍ إذا ما كان مبنى القوة الإيرانيّة قد تضرر بشكلٍ ذي مغزى، وأنْ يتذّكر صنّاع القرار في تل أبيب أنّ عدد أعمال القصف ليس هو المهم، بل هل حققت هذه الأثر الاستراتيجيّ الذي استهدفته، وبالإضافة على كلّ إسرائيليٍّ، أكّد يدلين أنْ يسأل هل الحرب القادمة تبتعد أمْ أننّا نسارع نحوها؟، بحسب تعبيره.
إلى ذلك، استعرض ضابط إسرائيليّ كبير في قيادة المنطقة الشماليّة الأعمال الهندسية لبناء الجدار الحدودي مع لبنان والتهديدات من قبل حزب الله، وقال لوسائل إعلامٍ عبريّةٍ إنّ هزيمة “داعش”، والتمركز الإيرانيّ في سوريّة وزيادة الثقة بالنفس لدى حزب الله، الذي يُقلل قواته في سوريّة وينقلها إلى لبنان، كلّ هذه الأمور تزيد الخشية من حصول احتكاك على الحدود الإسرائيليّة، بحسب تعبيره.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية