معركة “سيف القدس الثانية” انطلقت ولا مكان للوُسَطاء.. لماذا؟
361 صاروخًا أطلقتها حركة “الجهاد الإسلامي” على المُستوطنات الإسرائيليّة فيما يُسمّى “غلاف غزّة” لم تعترض منظومات القبب الحديديّة إلا ما يَقرُب من نصفها، وهذا في حدّ ذاته إنجازٌ كبير على الصّعيدين العسكري والحرب النفسيّة، ففي مِثل هذه المُواجهات العبرة ليست في عدد القتلى أو الجرحى في صُفوف العدوّ، وإنما ما يترتّب على هذه الصّواريخ، واستِمرارها، من نتائج على مُجتمع إسرائيلي قَلِقٌ مُمزّقٌ ويعيش حالة الهلع، وبات يشعر أنه لا يتمتّع بالأمن لا في الحاضر ولا في المُستقبل، ووقت الرّحيل اقترب.
حركة “الجهاد الإسلامي” أدارت الفصل الأوّل من هذه المعركة بذكاءٍ شديد عندما صعّدت من المُواجهات العسكريّة المُسلّحة في الضفّة الغربيّة، ودخلت في تنسيق عمليّاتي استراتيجي مع “كتائب شُهداء الأقصى” في حركة “فتح” وخاصَّةً في جنين ونابلس وطولكرم، وحاصرت وفرضت حظر التجوّل على أكثر من مِليون ونِصف مِليون إسرائيلي في المُستوطنات الجنوبيّة المُحاذية للقِطاع، وأجبرت القِيادة الإسرائيليّة على اتّخاذ قرار الحرب وتحمّل مسؤوليّة تبعات هذا القرار إقليميًّا ودوليًّا دون أن تُطلِق صاروخًا واحدًا، وهُنا يكمن الإعجاز.
***
المعركة ما زالت في بداياتها، وتقتصر في يوميها الأوّلين على حركة “الجهاد الإسلامي” التي تقف ورجالها في وجه الآلة العسكريّة الإسرائيليّة الجبّارة، ولكن نُزول فصائل أخرى إلى الميدان، وخاصَّةً حركة “حماس” ما زال غير مُستَبعد، وإعلان النّفير العام في صُفوف قوّاتها ربّما يكون الخطوة التمهيديّة الأولى، فالعدوّ الإسرائيلي هو الذي بدأ الغارات، واخترق تفاهمات الاتّفاقات السّابقة، وأبرزها ارتكاب جرائم الاغتيال للقِيادات، وقتل تيسير الجعبري القائد العسكري الميداني لحركة الجِهاد الإسلامي في القِطاع وعدد من رفاقه وسيدفع ثمنًا باهظًا.
المُقاومون في الضفّة والقِطاع وحاضنتهم الشعبيّة يتعجّلون انضِمام حركة “حماس” ومُقاتليها، وصواريخها، ومُسيّراتها، وضفادعها البشريّة، إلى ميدان المُواجهة، وتوفير الحِماية لأكثر من مليونيّ فِلسطيني يخضعون حاليًّا لحُكمها المُطلق في القِطاع، والسُّؤال الأبرز الذي يتردّد حاليًّا في الضفّة والقِطاع هو أين “أبو عبيدة” النّاطق العسكري باسم كتائب القسّام، وأين يحيى السنوار “أبو إبراهيم” رئيس الحركة في قِطاع غزّة؟ وإلى متى سيطول غيابهما ومعهما محمد الضيف؟
بيني غانتس وزير الحرب الإسرائيلي ربّما يكون هو من أطلق الغارة الأولى على القطاع يوم أمس الجمعة، ولكنّه لن يكون الشّخص الذي سيُقرّر موعد نهايتها، مثلما كان الحال في معركة سيف القدس الأولى، وتصريحه الذي أعلن فيه أن هذه العمليّة، أيّ العُدوان على القِطاع، ستستمر أسبوعًا على الأقل، تصريحٌ مُضلّل، فمن أوقف تلك المعركة المُشرّفة (سيف القدس) التي جاءت ردًّا على اقتِحام المسجد الأقصى في أيّار (مايو) قبل الماضي، لم يكن غانتس، ولا جيشه، ولا رئيس وزرائه (في حينها نِتنياهو) وإنّما استِجداء الرئيس الأمريكي جو بايدن للوسيط المِصري للتدخّل بسُرعةٍ لأنّ “إسرائيل” لم تعد تتحمّل صاروخًا واحِدًا على تل أبيب.
حركة “حماس” لا تستطيع الوقوف موقف المُتفرّج بينما الغارات الإسرائيليّة تقتل الأطفال وتقصف الأبراج في القِطاع، ويفتك برجال المُقاومة في حركة “الجهاد” الشّقيقة والشّريكة، فهذا ليس من أخلاقها، رغم تسليمنا “بقَسوةِ” ضُغوط حُلفائها العرب والأتراك، وعليها أن تستمع لأنصارها في الحواضِن الشعبيّة الفِلسطينيّة والعربيّة والإسلاميّة، وإلا ستخسر الكثير على المدّيين القصير والمُتوسّط.
السيّد داوود شهاب المتحدّث باسم سرايا القدس قال “لا” كبيرة للوُسَطاء العرب، وعلى رأسهم الشّقيقة مِصر، فهذا ليس وقت التّهدئة، وإنّما وقت التصدّي للعُدوان، والثّأر للشّهداء والسُّؤال: بأيّ عين يُعاود الوُسَطاء جُهودهم، ويتحدّثون عن تهدئة ووقف إطلاق النّار، فهل احترم العدوّ الإسرائيلي التِزاماته وتعهّداته لهم بإعمار القِطاع، والامتِناع عن اغتيال قادة المُقاومة وتخفيف الحِصار؟ ونتمنّى أن يُقدّم لنا السيّد الهندي عُضو المكتب السّياسي لحركة “الجِهاد” المزيد من المعلومات والتّوضيحات للعِبارة التي وردت على لسانه بالأمس، وقال فيها “لقد خدعنا الوُسَطاء”.
عندما يقول الجنرال غانتس إن عمليّة غزّة الحاليّة تأتي لضرب منظومة الجهاد “الإسلامي” بالتّوازي مع الضّربات التي تُوجّهها أجهزته الأمنيّة للحركة وأذرعتها العسكريّة في الضفّة، فإنّه يكشف بهذا الحديث عن مُخطّط “فتنة” لتمزيق وحدة صُفوف المُقاومة، ودقّ أسفين الصّراع والحرب الفصائليّة بين حركتيّ “الجهاد” و”حماس”، الأمر الذي يتطلّب القدر الأكبر من الوعي لإفشال هذا المُخَطّط، ومن قِبَل حركة “حماس” على وجه التّحديد.
السيّد زياد النخالة الأمين العام لحركة “الجهاد الإسلامي” قال في حديثه لقناة “الميادين” بالأمس إن هذه الحرب مفتوحة ولا تُوجد هُناك أيّ خُطوط حُمر، وستستمرّ حتى تحقيق النّصر، وربّما أصدر التعليمات لوفد الحركة بعدم التوجّه إلى القاهرة لإعادة إحياء الوِساطة المِصريّة، والانخِراط في مُفاوضات وقف إطلاق النّار الذي سيَخدِم دولة الاحتِلال، ويُنقِذها من المِصيَدة التي سقطت فيها بأعينٍ مفتوحة.
هذه حربٌ ستطول، وجاءت هديّة ثمينة للشّعب الفِلسطيني ومُقاومته في الوقتِ المُناسب، وستكشف الأيّام المُقبلة عن مُفاجآتٍ صادمة مُرعبة للإسرائيليين تُعيدهم بالملايين إلى الملاجئ وإلى العُزلة العالميّة، ولعلّ ما قاله السيّد هشام صفي الدين رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله، من “أن المُقاومة حصلت على الأسلحة الاستراتيجيّة الكاسِرة للتّوازن، وأن مُحاولة العدوّ من منع وصولها قد فشلت”، وأضاف “يجب أن نكون حاضِرين وأن لا نتأثّر بالحملات الإعلاميّة الدعائيّة التي تُريد أن تنال من قُدراتنا وإمكانيّاتنا في الإعلام الإسرائيلي والأمريكي والخليجي وبعض “صِغارهم” في لبنان، لن نتخلّى عن ثرواتنا في مِياهنا الإقليميّة”، وهذا يعني أن حرب الغاز باتت وشيكةً جدًّا.
***
نحن أمام حربٍ قد تكون بدأت انطِلاقًا من قِطاع غزّة، ولكنّها قد تتحوّل إلى حربٍ إقليميّة تنخرط فيها العديد من الأَذرع الأُخرى، في وَقتٍ يُواجه فيه الاستِعمار الغربيّ حربين عالميّتين في أوكرانيا وشرق آسيا.
انتِظار الملايين لظُهور “أبو عبيدة” بكُوفيّته الحمراء قد لا يطول كثيرًا، وسيف القدس الثانية مُرَشَّحَةٌ لكيّ تكون أكبر وأخطر بكثير من سيف القدس الأولى، والمطارات قد تُغلَق وقريبًا جدًّا، وقد يلجأ الآلاف من المُستوطنين لرُكوبِ البحر بحثًا عن مكانٍ آمِن هربًا من الصّواريخ، تذكّروا هذا السّيناريو جيّدًا، وفُصوله في الأيّام المُقبلة.. والأيّام بيننا.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية