معركة ميسلون السورية : يوسف العظمة يبحث عن ابنته عند تخوم دمشق!
بعد أربع سنوات تحل الذكرى المئوية لمعركة ميسلون، التي سجلت وقائعها الأرض السورية قبل ست وتسعين سنة، وتحديدا في 24 تموز 1920 كواحدة من أشهر المعارك الوطنية في التاريخ..
وقعت معركة ميسلون عند سفح هضبة صغيرة قريبة من دمشق، وفيها يرقد اليوم جثمان القائد العسكري الشهيد الجنرال يوسف العظمة الذي كان وزيرا لحربية سورية لحظة استشهاده، يرقد اليوم عند الهضبة يرقب واقع الحال في وقت تمزقت فيه أوصال البلاد تحت مختلف التسميات، وكاد الوطن ينهار ويموت المعنى من استشهاد كل الأبطال من أجله..
يوم أمس تجمع عند تلك الهضبة، وأمام ضريح يوسف العظمة العشرات من المحاربين القدماء وفاء له، وكان يمكن أن يكون لهذا التجمع صفة رسمية موسمية تمر دون اهتمام يذكر لو لم تكن سورية في الحالة التي هي عليها اليوم ..
كان هؤلاء المحاربون يقفون بإجلال أمام الضريح، وكأن وهجه يمدهم بعزيمة وقوة، وخاصة أولئك الذين خاضوا حروبا وطنية، ويعرفون معنى التضحية والبطولة من أجل الوطن. والجميل في تجمع المحاربين القدماء هؤلاء هو استعادة التفاصيل، لأن المعنى لايمكن أن يأتي دون تفاصيل وفي التفاصيل ظهرت ابنة يوسف العظمة، فقد استعاد كثيرون منهم وصية أبيها للسوريين أن تكون ابنته أمانة في أعناقهم !!
أحد هؤلاء المحاربين استعرض مراحل إعداد مجسم معركة ميسلون الذي تم تصميمه من أجل هذه المناسبة، والذي يعد الأول من نوعه في الوطن العربي حيث يصور الطبيعة الطبوغرافية للمعركة التي كانت عنوان الفداء والتضحية وفيها الدلالة الواضحة بأن الشعب السوري قدم الكثير في سبيل الدفاع عن استقلاله وعزته، أي تمت استعادة قصة المعركة على المجسم ، ومع ذلك كانت قصة ابنة يوسف العظمة هي الطاغية في نفوس الجميع ، لأنها رمز للأمانة التي تركها هذا الشهيد الوطني!
ولد قائد معركة ميسلون يوسف العظمة، كما يقول موقع تاريخي سوري، في حي الشاغور (الصمادية) بـدمشق في 9 نيسان 1884، وكان أبوه موظفاً في مالية دمشق، وقد توفي حين كان ابنه يوسف في السادسة من عمره، فتعهد تربيته شقيقه الأكبر عبد العزيز..
التحق يوسف العظمة في المدرسة الرشدية العسكرية في جامع يلبغا بحي البحصة الذي كان يجاور ساحة المرجة عام 1893، ومنها تابع دراساته العسكرية في دمشق في المدرسة الإعدادية العسكرية وكان مقرها في جامع دنكز ، وبعد عام واحد (وبالتحديد في عام 1900م) انتقل إلى مدرسة (قله لي) الإعدادية العسكرية الواقعة على شاطئ البوسفور بالأستانة/ استنبول وتخرج منها بعد سنة ضابطاً في سلاح الفرسان.
مفتاح هذه السيرة الذاتية يأخذنا إلى الطريق التي أتى به يوسف للحياة العسكرية، التي خاض من خلالها الحرب العالمية الأولى مع الجيش العثماني ثم جاء بعدها إلى دمشق عقب دخول الأمير فيصل بن الحسين إليها.
يقول ساطع الحصري بمذكراته وهو أحد رجال حكومة فيصل يومئذ: كان يوسف العظمة يعمل بنشاط ويظهر تفاؤلاً كبيراً وقد أتم الترتيبات العسكرية اللازمة ووضع الخطة العسكرية المحكمة للدفاع، وعَين القواد الذين عهد إليهم بإدارة الحركات وتنفيذ الخطة في مختلف الجبهات وأهمها جبهة مجدل عنجر في البقاع.
دخل الجنرال يوسف العظمة التاريخ العربي كبطل وطني يعتز به العرب جميعا، وقد نشرت إحدى الصحف المصرية اليوم حيزا خاصا لذكرى معركة ميسلون ، تحت عنوان : «زي النهارده».. اندلاع معركة ميسلون بين السوريين والفرنسيين في 24 يوليو 1920..
نعم ، كان يوسف العظمة صورة السوري الذي يغار على وطنه، لذلك كان طبيعيا أن يسأل السوريون أنفسهم : بماذا يفكر المحاربون القدماء اليوم عند ضريح العظمة؟
هل سيسألون عن مصير ابنته في الحرب السورية التي نعيشها اليوم، ثم أليس أطفال سورية جميعا هم أبناء يوسف العظمة، فمن يعيد كتابة التاريخ بحبر صنعه الشهداء العظام من دمهم، فيعيد إلى ذاكرة العالم تلك الأمانة ؟!