كتب

“معلم الآلة الكاتبة” رواية التغيرات التي تفرض نفسها

 

تدور رواية “معلم الآلة الكاتبة ولونه الواحد” للشاعر والروائي المصري منتصر عبدالموجود حول قصة معلم كان يُدرّس الطباعة على الآلة الكاتبة، قبل أن ينقرض هذا النوع من الآلات وتحلَّ محلَّه وسائل التقنية الحديثة في الطباعة ويسترسل المعلم في ذكرياته متنقلًا بين مراحل بدئه هذا العمل، وسفره إلى الخارج من أجل تطوير قدراته والاطلاع على آخر التقنيات في صناعة الآلات الكاتبة، ومراحل عمله في بلده، وكيف آلت حاله إلى موظف هامشي بعد أن توقفت حصص الآلة الكاتبة ولم يعد يمارس مهمته التي اعتاد عليها لسنوات طويلة.

وجاء الكتاب الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن في 248 صفحة من القطع المتوسط، وصدَّره عبدالموجود بإهداء جاء فيه: “إليكِ يا معزية الحزانى، وإلى ذكرى حلم قديم، اصطفيت به الطفل الذي كنتُه“.

ويقرن البطل بين الآلة الكاتبة وحياة الإنسان، جاعلًا منها شاهدًا على ضرورة الانضباط وعدم هدر الوقت والطاقات في ما لا يفيد، فيحاور تلاميذه في أحد النصوص الاستهلالية للرواية:

“يعود للسؤال:

–    هل لكل آلة حياة؟

–    (الجميع) نعم.

–    وبمَ تقاس حياة كل آلة؟

–    (…).

–    فلنقرب الأمر، بمَ تقيس حياتك؟

–    بالزمن.

منتصر عبدالموجود

–    نعم، وحياة الآلة تُقاس بعدد ما تخرجه من أوراق.. الأوراق زمن الآلة؛ لذا لا تضيّعوا حياتها في أوراق مكتوبة بالخطأ، لا تجعلوا الآلة تقضي كل عمرها في أوراق تكوّرها يدك وترميها في السلة الموضوعة عند قدميك.. من المخزي أن نهدر حيواتنا وحيوات الآخرين.. أليس كذلك؟!

هكذا يكون الدرس الأول دائما مع التلاميذ الجدد”.

وتحفل الرواية بالعديد من المشاهد الرمزية التي تحضر فيها شخصيات اصطنعها خيال البطل الذي أراد أن يضفي على كثير من ملامح حياته معنى إضافيًا؛ فهو إذ يحب يستحضر العذراء، ويمارس مع محبوبته طقوسًا شكلية تحيل إلى الشخصية التاريخية مع الحفاظ على هيبتها ونقائها العذري. وهو إلى ذلك شخص متأمل ميال إلى فلسفة الأشياء، والنأي عن تفاصيلها اليومية التي لا تناسب رؤيته للحياة.

يصور عبدالموجود حال بطله في أحد الفصول قائلًا: “عاد إلى مكتبه، نام ليس رغبة في النوم، بل أملًا في أن تزوره أشباح المكان؛ إذ يترسخ إيمانه برغبتها في استرداد كامل حقها في القصر الذي صار مدرسة. لم يأته سوى الحارس عند منتصف الليل، مضى إلى العذراء، ثم عكف على طقسهما حتى الصباح بشعور جارف أنَّ ما سعت الروح خلفه في بحثها النهاري لا يختلف عما تبحث عنه في بكائها بين يدي العذراء”.

ويختلط الواقع بالخيال عند البطل فيقوده إلى حالات هذيانية لا يفرق فيها بين الوهم والواقع؛ الأمر الذي يضفي على السرد مزيدًا من التشويق، ويفتج المجال واسعًا للتأويل واستنطاق النص.

ورغم النهاية المأساوية التي تعرضت لها “العذراء” في الحكاية، فأن المشاهد الختامية للعمل تأخذ القارئ إلى مساحات من الأمل تجسدت عبر “الثورة” التي هي في أغلب الظن ثورة يناير 2011. وفيها تظهر طاقة الشباب ورغبتهم في التغيير. بذلك يغدو السياق الزمني أكثر وضوحًا، وهو سياق شهد جملة من التغيرات، بدءًا من التغير في تكنولوجيا الطباعة عبر الانتقال من الآلات الكاتبة إلى أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية، مرورًا بالتغير في وسائل التعبير والاحتجاج وتعبير الشباب عن آرائهم، وصولًا إلى ضرورة الانتقال إلى المستقبل بحسب مفاهيمه وأدواته الجديدة.

يذكر أن منتصر عبدالموجود حاصل على ليسانس تربية في اللغة العربية وآدابها، ويعمل بالتدريس بوزارة التربية والتعليم المصرية منذ العام 1995. وصدر له قبل ذلك: “حروب وهزائم”، شعر (2004)، “الحنين.. سلة المفقودات”، شعر (2010)، “ثمة أشياء لن يجربها”، شعر (2012)، وفي مديح البلدات الصغيرة”، نصوص (2019)

 

 

 

ميدل ايست اون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى