معنى (( المصالحة)) في مصطلحات الحرب السورية!!
دمشق ــ خاص :
أخفت الحرب في سورية طوال أعوامها الست الكثير تحت الرماد، ورغم كل ما آلت إليه معطيات هذا الصراع من تداخل إقليمي ودولي، يحتاج الآن إلى قراءة متمعنة في تغيراته وتسارعه، فإن معطيات ((الداخل)) السوري، تظل هي الأهم في البحث عن رؤيا سياسية تبحث عما ستؤول إليه الحرب الصعبة والطويلة بكل تفاصيلها وجزئياتها .
وفيما تضجّ مدينة حلب بصخب المعارك الضارية التي أثقلت أصواتها صحافة العالم وقاعات الاجتماعات بين الأطراف المتحاربة ومن معها في مفاجآتها وتداعياتها المتسارعة، فإن أخبارا هامة تتسرب عن اتفاقات مصالحة يجري إنتاجها وإعادة إنتاجها في محيط مدينة دمشق، والغريب أن هذه المصالحة تترافق أيضا مع عمليات عسكرية واسعة وملحة في بعض أطراف العاصمة .
آخر ما جرى على هذا الصعيد هو الشروع بتنفيذ اتفاق خان الشيح، القريب من دمشق من جهة الغرب، فيما يتحرك الجيش بإصرار في غوطة دمشق الشرقية، وهذا يعني أن ثمة خطين يجري العمل عليهما، هما في لغة الرياضيات : إما، أو..!!
وفي حالة ((ال: إمّا))، تجري الاتفاقات على أرضية ترحيل المسلحين إلى إدلب أو تسوية أوضاعهم ، وهذا ماشهدته منطقة خان الشيح أمس فتم ترحيل دفعة إلى إدلب، من المسلحين غير الراغبين بتسوية أوضاعهم بموجب اتفاق مصالحة في مخيم خان الشيح وقرى قريبة منه، وسط أنباء عن اتفاق مماثل يحضر له لمسلحي بلدة بيت جن، على حين أمهلت الجهات المختصة مسلحي مدينة التل بريف العاصمة الشمالي حتى ظهر اليوم للامتثال لاتفاق التسوية، إثر خرقهم للاتفاق الذي تم التوصل إليه قبل أيام..
وقد أفاد سكان التل أن “جبهة النصرة” هي التي تعيق الاتفاق، لذلك وتحت وطأة الاحتمال الثاني ((ال: أو))، فإن جبهة النصرة ستواجه العمل العسكري لتسحق سريعا، وهذا مادفع السكان إلى طرد أفرادها والخروج بتظاهرات ضدها تحاشيا لمعارك لن تؤدي إلاّ إلى مزيد من الخراب والضحايا، ولذلك نسمع الآن عن عودة الاتفاق إلى السريان والتنفيذ..
يحصل هذا ولم يكن قد مضى وقت طويل على إنجاز اتفاقات مصالحة في المعضمية وداريا ، وقبلهما بسنتين في برزة والقابون، وغيرها.. فما معنى ((اتفاق مصالحة))، وهل مايجري الآن هو مصطلح سياسي أو مفتاح لحل اشتباك عسكري لايؤدي إلى نتيجة؟ وكيف ينمو هذا المصطلح، أي المصالحة، في لغة الحرب السورية ؟!
في معجم المعاني الجامع ، ورد تعريف المصالحة على النحو التالي: “الْمُصَالَحَة : الْمُسَالَمَةُ ، الْمُصَافَاةُ وَإِزَالَةُ كُلِّ أَسْبَابِ الخِصَامِ، وصالحَ يصالح، مُصَالَحَةً، وصِلاَحاً، فهو مُصالِح، والمفعول مُصالَح، وصَالَحَ جَارَهُ بَعْدَ خِصَامٍ : سَالَمَهُ، صافَاهُ، وصالَحَهُ على الشيء : سلك معه مسلك المسالمة في الاتِّفاق..” يحمل المدلول اللغوي لعبارة ((المصالحة)) معنى وحيدا وهاما هو “إزالة أسباب الخصام” ، لكنه في قاموس الحرب السورية يحمل الكثير من الإشكالية، لأن المصالحات التي تتم لاتقوم على ذلك، بل تتجه نحو تأجيل الصراع المسلح، دون أي توافق سياسي، أو حوار يؤدي إلى اتفاق سياسي، أي تأجيل في اتجاه الانتظار، وهذا يعني عسكريا نوعا من “الهدنة” !
يبدو هذا الكلام مثيرا للبعض، ولكنه في حقيقة الأمر مهم على الصعيد الوطني، فإذا كانت المصالحة أحد الطرق إلى الحل، فإن توطيدها بالتفاهمات السياسية يصونها من الانهيار. وذلك يشبه وصفة طبية لدواء يحمل الشفاء لصاحبه، ولكنه يتطلب دواء إضافيا ك”الفيتامين” مثلا لتبيث حالة الشفاء…فما الذي تحتاجه المصالحات التي تتم على هامش الحرب في سورية ؟
نعم ، تحتاج إلى الوصفة الثانية، وهي الذهاب إلى “إزالة أسباب الصراع” ، وتتجه آليات ” إزالة أسباب الصراع” تلقائيا نحو تجزئة خطوات المشروع السياسي للدولة السورية، أي أن على الدولة، وقبل الوصول إلى ((الحلول النهائية)) أن تراكم معطيات سياسية يمكن البناء عليها عند الوصول إلى المشروع الأخير الذي يفترض أن يتفق عليه الجميع ويشاركون فيه .
فكيف يتم ذلك ؟ يتم ذلك بتفعيل الحوار في الدوائر الصغرى للمصالحة، فلا يكفي الابقاء على البراميل والمتاريس مفتوحة في وجه حركة الناس والموأن ، وهي بطبيعة الحال تشرف عليها الدولة، بل يفترض تعميق الوعي تجاه الحل الأخير للحفاظ على الوطن وإعادة البناء.. أي : الحوار من أجل المستقبل . “لاحظوا الكلمة: المستقبل! ” .
على صفحة المصالحة الوطنية في القابون وبرزة وحي تشرين ، قصة طريفة حصلت مع إحدى الشخصيات الدينية الإشكالية في سورية، وهي شخصية الشيخ أحمد كفتارو الذي ظل مفتيا لسورية حتى وفاته ، وفيها يسأله أتباعه عن إنهاك نفسه رغم تفاقم مرضه، ويطلبون راحته، فيقول بذكاء:
لو سمعت في الأرصاد الجوية أن غدًا سيكون بردا وثلجا فماذا تفعل ؟!!
فجاء الرد عليه ببساطة: أعد الوقود والأغطية وأخزن بعض الأطعمة ..
فأكمل الشيخ فكرته قائلاً : وهكذا عندما تقرأ في السنة أن الفساد سينتشر أو ان القيامة تقترب ، فإن علينا أن نفهم ذلك بأن نعد العدة اللازمة لمعالجة الفساد، وأن نضاعف العمل والجد .. لا أن نتكاسل ونتقاعس ..!
فإلى أين يتجه مصطلح ((المصالحة)) إذا لم تعد العدة من كل الأطراف لبناء مستقبل واحد في وطن واحد يعلن الجميع أنهم يريدونه واحدا موحدا!؟