معن حيدر يتابع سرد أسرار المهنة : الدجاجة أم البيضة
يتابع الأستاذ المهندس معن حيدر المدير العام الأسبق للإذاعة والتلفزيون سرد تفاصيل مهمة عن خفايا الإذاعة والتلفزيون ، وقد كتب ما يلي :
لعل من أبرز المشكلات المزمنة التي تعاني منها الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، هي :
- ضيق البناء، وعنه تنبثق مشكلة أهم وهي مشكلة الأرشيف.
- الحوافز الإنتاجية، أو ما يطلق عليها اصطلاحًا (البونات)، وهو مصطلح خاص (بل ماركة مسجلة) بهيئة الإذاعة والتلفزيون، وتحولّها إلى نظام تشغيل أربك الحكومة.
- النظام الداخلي، ومعه الهيكلية التنظيمية والتوصيف الوظيفي وآليات العمل.
- التراكم التصاعدي لأعداد العاملين.
- الإعلانات والعلاقة مع المؤسسة العربية للإعلان.
حاولتْ الإدارات المتعاقبة كلها التصدي لهذه المشكلات، أو لبعضها، كلّ حسب وجهة نظره وحسب الأولويات والتوجّهات في حينها.
وربما نجحتْ بعض المحاولات جزئيًا، أو كانت بمثابة ترقيع، ولكن أغلبها فشلتْ، ولن أخوض الآن في أسباب الفشل، فهي كثيرة وليس مجالها هذا المنشور.
بالنسبة للنظام الداخلي كان هناك جدل كثير نتيجة أفكار نشأتْ من خلال الممارسة وطبيعة العمل والاطلاع على تجارب الآخرين، سأتطرق لها بالتفصيل في منشور قادم.
وأعدّد بعضها: تبعية كل من الإذاعة والأخبار والهندسة والقنوات الإذاعية والتلفزيونية/ تبعية القسم التقني في الإذاعة وفي التلفزيون (أو ما يُطلق عليه اسم التشغيل الإذاعي والتشغيل التلفزيوني).
ولعل أهم نقطة في هذا الجدل المستمر هي تبعية وعلاقة قسمي التشغيل بكل من مديرية التلفزيون و مديرية الإذاعة.
وبشكل أدق، علاقة شقَّيْ الإعلام (أو مَطْبَخَيْ الإعلام): التقني والإعلامي
الغاية أو الهدف والوسيلة أو الأداة
ومن هنا جاء العنوان “الدجاجة والبيضة” تلك الجدلية المعروفة: مَنْ أساس مَنْ؟ الدجاجة أم البيضة؟ وهي نفس الجدلية التي تحكم علاقة الشقّين ببعضهما
واسمحوا لي أن أعود بكم سريعًا للتذكير بمفهوم (الإعلام) بشكل عام:
القصة بدأتْ عندما ظهرتْ الحاجة قديمًا (للإعلام) عن حدث ما. أو شيء ما وَلْيَكن بعض (الفرمانات) التي يصدرها السلطان، وكان أداة ذلك هو صوت المُنادي.
وتطوَّر الإعلام عبر العصور حتى وصل إلى الصحافة ثم الإذاعة والتلفزيون. ثم إلى ثورة وسائل التواصل بأشكالها الحالية التي نسمّيها Multi Media والـ Social Media. ومعه تطوّرتْ الأدوات من المطابع إلى الاستوديوهات وأجهزة البث والأقمار الصنعية ثم الانترنت.
وهنا يقول قائل: لولا تلك (الأداة) بأشكالها المتعددة لما كان (الإعلام).
ويقول آخر: ولكن لولا وجود الحاجة لـِ (الإعلام) لما كانت الحاجة للأداة.
ويستمر الجدل
ورغم وجود علاقات شخصية وثيقة ومتميزة بين العاملين في كلا المطبخين، إلّا أنّ علاقة العمل كانت تتسم بالحساسية أحيانًا، نتيجة الغبن الذي يشعر به العاملين في القسم التقني، غبن مادي ومعنوي.
وللإنصاف، وليس انحيازًا، أقول إنّ العملية الإعلامية في الإذاعة والتلفزيون بشقها التقني قامتْ بجهود مميزة من الكادر التقني.
منذ تأسيس أول استوديو وجهاز بث إذاعي، إلى تأسيس إذاعة حلب، إلى تأسيس أول استوديو وجهاز إرسال تلفزيوني في جبل قاسيون، إلى تركيب أجهزة البث الإذاعي والتلفزيوني وأجهزة الوصل المكروي في أرجاء سورية.
إلى تأسيس القناة التلفزيونية الثانية، ثم القناة الفضائية.
ودورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط ومعها المركز الإذاعي والتلفزيوني في اللاذقية، ورحلة الفضاء الروسية السورية.
طبعًا كان هناك جهد إعلامي موازٍ في كل مرحلة وحدث.
وعلى سبيل المثال أذكر الجهود التي قام بها كادر وحدة الغرافيك بالتلفزيون السوري، وعلى رأسهم المهندس الصديق عبد الرحمن ريا في تصميم وتنفيذ مشاهد كاملة من مسلسل (العبابيد)، وكان المخرج متهيّبًا منها،وهم أول من قام بذلك في مجال الدراما في الوطن العربي.
وأيضًا أذكر على سبيل المثال أسماء بعض الكوادر التقنية التي لمعتْ في مجال الدراما وهم الزملاء الأصدقاء: الكاتب الدرامي أسامة كوكش، والمخرج أحمد إبراهيم أحمد، وعصام الصيداوي وهو من أهم مساعدي المخرج الراحل حاتم علي.
وعلى سبيل الطرافة سأذكر حادثتين حصلتا معي عندما انتقلت من إدارة (المطبخ) التقني إلى إدارة (المطبخ) الإعلامي، الأمر الذي أثار في حينها جدلًا واسعًا.
الأولى، عندما دخل الصديق الفنان الكبير “سليم صبري” إلى مكتبي بعد تلك النقلة ليقول لي بكل محبة: ((أنا زعلان …مو منّك … منشانك)) فقبّلتُ رأسه وقلت له: ((نحاول .. أو نُعذرا))، وكان بيت الشعر هذا مبدأي في الحياة.
والثانية، عندما كنّا بصدد التحضير لأحد المؤتمرات الحزبية الهامة في عام 2005، وكان التوجّه حينها رفع سقف نقد الحزب، واتفقنا في الإدارة أن ننجز خمس حلقات حوارية، وكلّفنا اثنين من المعدّين الأول مستقلّ والثاني مدير وحزبي لإنجازها.
وكان أنْ أُنجزتْ ضمن التوجّه وأكثر قليلًا، وقام حينها المعدّ الثاني بنسخها على CD وأخذها إلى رأس الهرم الإعلامي آنذاك ليعرضها عليه …
وعندما استهجن رأس الهرم الجرأة المطروحة فيها، تراجع المدير وقال له: ((والله هيك بدو … المهندس)).