مع شروق الشمس

أمارس في أيام الخريف عادة لم أتخل عنها جهدي حتى اليوم إذ أستيقظ في الهزيع الأخير من الليل ، فأخرج إلى شرفة دارنا في الطابق الرابع المواجهة للمشرق كي أراقب بزوغ الشمس إذا ما كانت غيوم الخريف تنتظر معي فأجلس على مقعد يواجه المشهد و أنتظر إكتمال متعتي بظهور صاحبة الجلالة ملكة الفضاء بلا منازع تُطل بكامل بهائها على الكوكب الذي ترعاه منذ مليارات السنين…

يا إلهي … ماأروع و أجمل ذلك المنظر !.. يبدو أول ما يبدو وهج ضياء يرصّع المكان الذي ستطل منه الشمس في هذا الفصل و شيئا فشيئا يسطع الوهج أكثر فأكثر وتتوهج الغيوم بألوان عجيبة متداخلة بين الصفرة و الحمرة و الخضرة و اللون البنفسجي و غيرها من ألوان على الغيوم المتقاربة و من خلالها في عرض سماوي يليق حقا باستقبال هذا النجم الخارق الذي يستمد منه كوكبنا المتواضع الذي نعيش فوقه الحياة بأروع و أشمل و أدق تفاصيلها في لوحة عريضة عرض السماء.

أبقى هكذا في مجلسي مأخوذا بالروعة و العظمة و المتعة الجمالية و العقل المشغول بما يوحيه المنظر من أفكار و مشاعر أنهض أخيرا و قد غلبتني الحرارة فأعود إلى سريري ، فأتمدد و أنا مفعم بالصحوة التي تطوح بي هنا و هناك في تحليل و تفيسير ما شاهدته و التفكير في أعمق ما يعنيه هذا الكون الذي يحيط بنا ولا نعرف من أسراره إلا ما يركع أمامه العقل العاجز إلا عن الحب و المأخوذ بما يشبه الجنون. من صنع هذا المشهد الخارق ؟ و كيف ؟ و ما الغاية من كل هذا ؟!..

عدت إلى آينشتاين صاحب النظرية النسبية و إلى ماكس بلانك صاحب نظرية الكمّ و إلى الفلاسفة و العلماء والأدباء و المفكرين كي يساعدوني على فهم هذا الكون .. عدت إلى القرآن الكريم و إلى الأناجيل الأربعة و إلى التوراة و التلمود ، ثم إلى البوذية و الطاوية و الكونغوشيوسية ، عدت في ذاكرتي إلى كل هؤلاء و أنا متمدد صاح في فراشي كي أبقى مع لوحة الغيوم المتوهجة و إطلالة الشمس خيطا خيطا كي أخاطب نفسي ، إذا كان الشروق خارقا إلى هذا الحد فكيف الشأن مع مجرة درب التبانة التي تنتمي إليها الشمس في طرف منها كما يقول الفلكيون و إلى باقي المجرات المتباعدة عنا بمئات و الآف و ملايين السنين الضوئية.

من نحن ” البشر ” بالنسبة إلى هذه الضخامة الخارقة للكون و التي لسنا – نحن البشر- أكثر من ذرة من الغبار بالنسبة لها ، من نحن في هذا الوجود غير المحدد كي نغتر فنتعادى و نتقاتل و نتباعد في الأديان المتعصبة و أخلاق الأثرة و الطمع و القسوة و الظلم و الإستبداد و باقي القباحات ؟! من نحن إزاء شروق الشمس الذي لم أمل من مشاهدته و هذا الكون الذي يجدر بنا ألا نفكر عميقا إلا في عظمته و جماله كي نتحرر حقا من كل القباحات ..استيقظوا معي في هذا الخريف و شاهدوا شروق الشمس مرة في الأسبوع على الأقل بكل ما فيكم من طاقة على المحبة و الإحترام و التفكير الجدير بكم كبشر !…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى