لم ينته الصراع في مصر بموافقة المجلس العسكري على ترشيح السيسي. لكنه بدأ مرحلته الأخطر تقريباً. مع قرار المؤسسة العسكرية دخول مغامرة التصدي للحكم المباشر… وفي لحظة المعركة لا في جني ثمارها… أي أن المجلس يعلن دخول المنطقة المحظورة حتى في ظل الحكم المباشر للضباط الأحرار ودخول عبد الناصر الرئاسة بالبدلة الكاكي.
المغامرة هنا تأتي في منتصف «الحرب مع الإرهاب» وتبدو كأنها جزء من هذه الحرب، أي أن الجيش الذي ظل يتحكّم عن بُعد (من ناصر إلى مبارك) ثم يراقب (أيام حكم مرسي والإخوان) قرّر عدم الاكتفاء بالمواقع القديمة والتقدم إلى الأمام.
لكن هل هي خطوة للأمام؟
تبدو المغامرة مقلقة لمن تصوّر أن طموح الرئاسة لدى السيسي سيتوقف عند إحياء «جمهورية الضباط» والاكتفاء بموقع «فوق رئاسي» تؤهّله له الشعبية الجارفة بل وتتواطأ عليه قوى سياسية تتعامل بمنطق أن «هذا قضاء نختار منه الأخف..»… لكن السيسي ومعه قادة الجيش ذهبوا أبعد من ذلك، وأصبحوا طرفاً مباشراً في السياسة، في مراهنة على رصيد المؤسسة الذي تآكل مع حكم المجلس العسكري في الانتقالية الأولى… واستردّه السيسي… بل وضاعفه.
هي مغامرة بونابرتية غالباً.
بونابرت لم يكن في حرب داخلية، ولم تسبقه استحقاقاته من الأمن حتى عبور المأزق الاقتصادي... وهذا ما يرفع درجة خطورة المغامرة التي يصوّرها البعض على أنها «أمر واقع… لا فكاك منه».
السيسي رهن لحظة طارئة، يختار منصباً تقلّصت صلاحياته في الدستور الجديد، وهذا يعني أن المساحة الافتراضية التي اكتسبها بعد 3 يوليو/تموز، ستتقلّص أو من المفروض أن تتقلّص لصالح بنية مؤسسية أخرى تشاركه فيها أطراف سياسية، لا يخضعون بالضرورة لحسابات تحت السيطرة.
بمعنى آخر «المغامرة» هنا ليست في الترشيح، أو بالدعم المباشر من الجيش، ولكن في أن هذا يحتّم تطوير «الدولة» لا إحياءها أو إعادة تشغيلها كما كانت، وهذا سيعني في جزء منه خطة لتقليص»عسكرة السلطة» وفتح المجال السياسي بما يجعل البونابرتية تحكم بتحالف سياسي، وليس بجهاز أمني، وأخيراً فإن المهمة لن تنجح إلا إذا ساهم الجنرال القادم من الجيش في تعميق احترافية الجيش، أي فصله عن السياسة.
كيف يفعل السيسي هذا وبحيرات الدماء من كل الأطراف ما زالت في الشوارع؟ كيف يفعل هذا وهناك مَن يحمّله مسؤوليات مذابح قبل أن يحكم؟ وهناك مَن يحرّضه على الفتك بالخصوم السياسيين وإنهاء وجودهم نهائياً؟
إنها شروط تقترب من المستحيل أمام مغامرة هي الأخطر في تاريخ مصر.
ليست مكافأة إذن.
ولو كانت التحالفات الدولية والإقليمية، تتغيّر من أجلها. فالغرب أرسل ترحيبه الأولي. والحلفاء في الخليج أخفضوا من صوت التحفظات… إنها لحظة هادرة. يلبي فيها السيسي نداء الخائفين. وهنا لا صوت يعلو فوق صوت «المعركة».
لكن أية معركة هذه المرة؟
بخاصة وأن الاقتراب من السياسة «نار» لن يكون تهديدها بعيداً عن المؤسسة ذاتها، وبعض الصحف المؤيّدة للسيسي نشرت بالفعل أسماء جنرالات معاونة لمرشح آخر من أصل عسكري هو سامي عنان.
كما أن الأزمة ستزداد إذا أُعيد إغلاق المجال السياسي أو إعادة إنتاج أحزاب السلطة (القصر، العائلة، الجيش) لتحل محل البديل السياسي ليبدو المسرح معداً بعد سنوات لقادم جديد من تنظيمات انتظار الخلافة.