مـأزق الديمـقراطيـة

لكلٍ صليبه – كما يقال – أي لكلٍ مأزقه ، و مأزق الديمقراطية في تاريخنا العربي و الإسلامي عامة أنه لم يعرف سوى حكم الخلافة أو القادة العسكريين طول ألف و أربعمائة عام أو أكثر إذ ظلت السلطة المطلقة التي تمثل سلطة الحاكم الفرد هي المتحكمة في البلاد زمن الأمبراطورية الإسلامية المترامية الأطراف ، ثم في الزمن الذي ضعفت فيه بدأ زمن التفكك و الإنقسامات المتوالية إلى دويلات أصغر فأصغر و إلى عصورنا الحديثة المتميزة بفقدان هذه الدويلات استقلالها مع غزو الدول الأوربية و إستعمارها عالمنا العربي و الإسلامي ، و انتباه المغلوبين أخيرا إلى أنظمة هذه الدول القوية الغازية و المسماة باسم أجنبي جديد عليهم أسمه النظام الديمقراطي.

هكذا بدأ النقاش السياسي العربي يتحدث عن حاجتنا للديمقراطية و بدأ يظهر في هذا النقاش فريقان يؤيدان النظام الديمقراطي و يختلفان في التعامل مع الأسلوب الغربي لهذا النظام بين معترض عليه باسم الأصالة و التراث و فريق مؤيد لهذا الأسلوب شكلا و مضمونا كان المعترضون يتهمون الديمقراطية الغربية أنها مفصلة على قياسهم ، و أن ثباتها النسبي يعود إلى إرتكازها على حياة حزبية متماسكة نجمت عن فرز طبقي إجتماعي تدعمه مصالح طبقية ثابتة في حين أن هذا الفرز لم يكرس بعد لدينا ، و أن الإنتخابات في مجتمعاتنا تحكمها الإنتماءات القبلية العشائرية أو الطائفية الدينية أو الإثنية و ليس الإنتماء الطبقي – كما في الغرب – و هذا ما يفسر إلى حد بعيد هشاشة النتائج الإنتخابية لدينا و ميوعة الولاء الحزبي أو قساوته التعصبية ، و ليس لهذا من معنى سوى أن الديمقراطية التي تلائمنا – و لو مرحليا – يجب أن تتكيف مع هذا الوضع الراهن حتى و لو أدى ذلك إلى التنازل عن بعض الأصول الديمقراطية لصالح الحكم المركزي – أو الديكتاتوري – القادر وحده على تلافي الفتنة و صيانة الأمن و الإستقرار.

أما المنطق الأخر المختلف الداعي إلى تبني الأسلوب الغربي للديمقراطية فإنهم يدافعون عن وجهة نظرهم بأن هذا الحل هو الأكثر واقعية بالرغم من جميع محاذيره ذلك لأنه نظام تحقق نتيجة لتطور إنساني شامل أسهمت فيه كل شعوب الأرض تقريبا من الأقوام البدائية إلى مجتمعات القبائل إلى الدول الكبرى مثل الصين و اليونان إلى الدول العصور الحديثة التي شهدت صعود البرجوازية و نظام الإنتاج الصناعي الكثيف و الحاجة إلى قوانين تحمي الإقتصاد الوطني و غيرها من العوامل و بهذا المعنى فإن تبنى النظام الديمقراطي المعمول به في معظم دول العالم المتقدم لا يشكل مخاطرة بقدر ما هو تجربة ضرورية يتم إصلاح أخطائها من خلال الممارسة و ليس من خلال الإنتظار العقيم.

غير أن إختيارنا كما يبدو لم يعد في أيدينا نحن شعوب العالم الثالث بعد تدخل الدول الكبرى المتقدمة في مصائرنا بأساليب شيطانية ضمانا لمصالحها و هذا ما يفسر الإنقلابات العسكرية المتتالية في عالمنا المتخلف حتى الأن و ياله من مأزق لا خلاص منه كما يبدو إلا بعد نهضة كبرى شاملة قد تحدث و لكن بعد سنين أخرى من التخطيط و العثرات و المغامرات الطائشة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى