مفاتيح إيران بعد اتفاق فيينا

ارتدادات اتفاق فيينا عديدة وإشعاعاته تقليدية أكثر منها نووية. فبالإضافة الى الحروب الدائرة في المنطقة، حيث لإيران ولغيرها من الدول نفوذ، فإن الجوانب الأخرى لمفاعيل الاتفاق تتجاوز الأوضاع الإقليمية ولا تقلّ أهمية عنها. لدى إيران مفاتيح متعددة الوظائف والإمكانات، لعلّ أبرزها إمكانية التأثير عبر علاقاتها الجديدة مع واشنطن بإسقاط مزاعم إسرائيل لجهة حماية المصالح الأميركية في المنطقة. ولكي يصبح هذا الأمر ممكناً يجب أن يترافق مع خطوات وسياسات معيّنة، منها طريقة تعاطي طهران مع القدرات النووية ومسار علاقتها مع الدول الموقِّعة لاتفاق فيينا ومنسوب الثقة المتبادلة بين ايران والمجتمع الدولي ودول الجوار العربي لا سيما السعودية.

في زمن الشاه كانت ايران في طليعة الدول الإقليمية المتحالفة مع الولايات المتحدة والغرب في مواجهة الاتحاد السوفياتي وكانت تربطها علاقات وثيقة مع اسرائيل. بعد إطاحة الشاه في العام 1979، قطيعة كاملة سادت العلاقات بين ايران الاسلامية والولايات المتحدة. اما الآن، وبعد الاتفاق النووي، ثمة حالة جديدة في علاقات ايران مع العالم، مختلفة عن حقبتي الشاه والثورة الاسلامية في مراحل سابقة. فاذا ثَبُت ان استخدام ايران للنووي سينحصر بالاغراض السلمية، وفي حال اتبعت طهران نمط الديبلوماسية المرنة التي ميّزت حركتها في الفترة الاخيرة، فستكون في موقع مؤثر، وذلك عبر اسقاط ذرائع تل ابيب ومزاعمها بأن ايران تشكّل خطراً على السلم الاقليمي والعالمي. في السنوات الاخيرة بَنَت اسرائيل سياستها الخارجية على مقولة تصدّيها للإرهاب: «الإرهاب» الفلسطيني بالدرجة الاولى، و «إرهاب» حزب الله المدعوم من ايران، الدولة الحاضنة للارهاب العالمي، بحسب حكّام اسرائيل.

هكذا كانت حال العلاقات الإيرانية ـ الاميركية في حقبة «الشيطنة» المتبادلة، وهي لم تعد قائمة اليوم وحلّ مكانها تفاهم بالحد الأدنى، فنال كل طرف غايته بالحوار والديبلوماسية. الا ان رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو لا يزال اسير الحقبة السابقة ويخوض مواجهة شرسة مع الرئيس باراك اوباما وكأنها معركة انتخابية داخل اسرائيل، معوّلا على نفوذ اللوبي اليهودي بقيادة AIPAC في الكونغرس، حيث لإسرائيل مؤيدون ثابتون وسياسيون متمرسون في التعاطي مع مجموعات الضغط الداعمة لاسرائيل منذ عقود. لكن المستهدف هذه المرة ليس صدام حسين، المتهم بحيازة اسلحة دمار شامل، أو عبد الناصر، المتحالف مع «الشيوعية الدولية»، بحسب مفردات الحرب الباردة، بل الرئيس الاميركي نفسه. انها حالة غير مسبوقة، وقد تفتح الباب لتساؤلات حول ادعاءات اسرائيل، حليف واشنطن المدلّل الذي لا يقدم ولا يؤخر فعلياً في المعادلة الاستراتيجية الاقليمية، وحول الابتزاز الذي يمارسه نتنياهو حيال مؤسسات الحكم الاميركية.

همّ اسرائيل الاول في مرحلة ما بعد اتفاق فيينا يتجاوز السلاح النووي، لا سيما أن استعماله غير وارد من اي طرف، فالردع النووي غالبا ما يعطل المواجهة الشاملة بين المتحاربين، الا في حالة الانتحار الجماعي. اسرائيل لم تخسر فقط احتكارها للنووي في المنطقة بل خسرت ايضا احتكارها للخطاب السياسي الذي يجعل من ايران «فزّاعة» العالم، ما قد يعطل ادعاءات تل ابيب لجهة دورها المزعوم في حماية امن اوروبا ومصالح اميركا من الخطر الايراني. هكذا تتحول ايران الى دولة «طبيعية»، فلا رئيسها يهدد بإزالة اسرائيل من الوجود ولا «صادرات» ثورية الى بلدان الجوار في زمن الشرخ المذهبي المتفاقم. وفي هذا السياق يأتي كلام وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف بأسبقية «الجار على الدار» لتحقيق تفاهمات اقليمية حول التطرف والارهاب ومنع نشوب حروب داخلية. اما التنظيمات السلفية التكفيرية فاسرائيل قادرة ان تتأقلم مع ارهابها، وهي لا تتردد في التنسيق مع «جبهة النصرة» في سوريا. يبقى «ارهاب» حزب الله وحماس الذي لم يعد يفي بالغرض الاسرائيلي المطلوب لتجييش الرأي العام العالمي، الا اذا قررت اسرائيل افتعال حرب مع ايران.

لدى ايران اليوم مفاتيح تعطيل ذرائع اسرائيل لقرع طبول الحرب في المنطقة، وبالتالي امكانية اسقاط مقولة القيمة الاستراتيجية لأميركا التي تدّعي اسرائيل تأمينها منذ أواخر الستينيات. ايران الشاه تعاونت مع اسرائيل وإيران الاسلامية في عداء تام معها. اما إيران المحيّدة تجاه اميركا والغرب والسالكة طريق الحوار فيمكن ان تساهم في تعطيل ادوار اسرائيل المزعومة وفي عقر دار نفوذها، في الدولة العظمى.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى