تحليلات سياسيةسلايد

مفاجآت اللحظة الأخيرة تُبعثر أوراق غزة وتزيدها غموضًا..

نادر الصفدي

بعد أن كانت جميع المؤشرات تصب في مصلحة قرب طرح الإدارة الأمريكية، مقترحًا جديدًا “مُقنعًا” على إسرائيل وحركة “حماس”، لإتمام صفقة تبادل للأسرى ووقف الحرب على غزة، والحديث الإيجابي عن قبول الطرفين لهذا المقترح “مبدئيًا” حتى انقلب كل شي بشكل مفاجئ.

 

فبدأت بعد هذه التطورات المفاجئة وسائل الإعلام تتحدث عن تشاؤم كبير يُحيط بملف مفاوضات وقف إطلاق النار بغزة تارة، وتارة أخرى عن ترحيل الملف بأكمله لما بعد الانتخابات الأمريكية المقررة في شهر نوفمبر المقبل، والأمر الذي يعني استمرار الحرب الدامية على القطاع، وتسجيل حصيلة جديدة من الشهداء والمفقودين والدمار.

هذه التطورات جاءت بعد إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بشكل رسمي عدم انسحابه من محور “فيلادلفيا” الحدودي بين قطاع غزة ومصر، وتمسكه بنشر قواته هناك، وهو ما ترفضه حركة “حماس” بشكل قاطع، الأمر الذي يعد عقبة رئيسية أمام نجاح أي مبادرة يمكن لإدارة بايدن أن تطرحها.

ونقلت مصادر إعلامية عن مسؤولين إسرائيليين أن التشاؤم يسود أروقة الحكم في إسرائيل وواشنطن حيال المقترح المرتقب لإنعاش المفاوضات بين “حماس” وإسرائيل، وقالت هيئة البث الإسرائيلية إن “هناك تشاؤما بشأن مقترح الوساطة المتوقع نشره نهاية الأسبوع”، ونقلت عن مسؤولين إسرائيليين إن “الاقتراح المرتقب لن يكون مقبولا من الجانبين”.

واعتبر المسؤولون أن “المقترح الذي من المتوقع أن يقدمه الوسطاء محاولة لإنعاش المباحثات، إلا أنه في الواقع لم يتغير شيئا، وما زال الجانبان متمسكين بمواقفهما”، وأشارت الهيئة إلى أنه “تمهيدا للكشف عن الخطوط العريضة للمقترح الأميركي الجديد، عقد نتنياهو مشاورات أمنية محدودة.

وحسب مصادر مطلعة، فإن النقاش نفسه تمحور حول مواصلة الحرب على قطاع غزة بعد أن طلب نتنياهو من المؤسسة الأمنية صياغة إجراءات الرد على مقتل الأسرى الستة، وقالت الهيئة إن “النقاش تناول ملف مقتل الرهائن، حيث حضر لأول مرة منذ أسبوعين جميع رؤساء الفريق المفاوض للنقاش مع رئيس الوزراء، لكن مصدرا مطلعا أكد أن ذلك لم يكن نقاشا مخصصا لهذه القضية”.

وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لا تزال تناقش بعض جوانب العرض الجديد، بما في ذلك كيفية نشره وتوفير المرونة من الطرفين، رغم أن الاختلافات بينهما صغيرة لكنها جامدة.

ونقلا عن مصادر مطلعة على تفاصيل المقترح الأميركي الجديد لتبادل الأسرى، فإن البيت الأبيض ليس متفائلا بشكل خاص بشأن فرص نجاحه، وأضافت الصحيفة الإسرائيلية أن الجانب الأميركي يخشى الإحراج ولا يرغب في مواجهة مع نتنياهو بسبب الانتخابات، مشيرة إلى أن هناك تقديرات بإسرائيل توضح أن الولايات المتحدة مترددة بشأن تقديم مقترحها الأخير.

وكان الطرفان اتفقا، بشكل مبدئي، على أنه في مرحلة معينة ستفرج إسرائيل عن أسرى فلسطينيين يقضون عقوبة السجن مدى الحياة مقابل إطلاق “حماس” سراح جنود إسرائيليين، لكن هذا الأسبوع، قالت الحركة إنه يجب مبادلة هؤلاء الأسرى بالمحتجزين المدنيين أيضاً، وهو ما وصفه مسؤول الإدارة الذي تحدث إلى “واشنطن بوست” بتكتيك “حبة السم”.

ويشير مصطلح “حبة السم” في المفاوضات إلى محاولة أحد الطرفين تعطيل أو تعديل مسار الصفقة عن طريق إدخال شروط أو مطالب غير مقبولة للطرف الآخر لتفادي تقديم تنازلات تهدد موقفه، ويعتبرها غير مقبولة.

ورأت الصحيفة الأميركية أن فرص بايدن في إنهاء الحرب المستمرة منذ 11 شهراً في غزة وإعادة المحتجزين المتبقين قبل مغادرته منصبه باتت بعيدة المنال بشكل متزايد، ما يزيد من احتمال انتهاء فترة رئاسته دون التوسط لإنهاء الصراع الذي طغى على عامه الأخير في منصبه، ويهدد بتشويه إرثه.

ويخشى المفاوضون الآن بشكل متزايد أن يكون الاتفاق بات بعيد المنال، إذ لم يتراجع نتنياهو عن موقفه بشأن ممر فيلادلفيا، على الرغم من الضغوط المتزايدة من مئات الآلاف من الإسرائيليين الذين نزلوا إلى الشوارع للاحتجاج، بحسب الصحيفة.

وتابعت: “حتى إذا وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي على المرحلة الأولى من الصفقة، فإن المفاوضين لا يثقون من أنه سيقبل المرحلة الثانية التي تتضمن نهاية دائمة للحرب”.

هذا ونقلت شبكة “سي أن أن” عن مسؤولين أميركيين قولهم إن إدارة بايدن تواجه عقبات كبيرة في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة التي انطلقت قبل عدة أشهر، ما يثير شكوكاً داخل الأبيض بخصوص ما إذا كانت الحرب الإسرائيلية على غزة قد تتوقف قبل نهاية الولاية الرئاسية لبايدن.

في السياق ذاته، قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” إن واشنطن غاضبة من تمسك نتنياهو بموقفه بشأن محور فيلادلفيا ومحبطة من سلوك “حماس”.

بدوره، قال رئيس هيئة الأركان الأميركية لصحيفة “فايننشال تايمز” إن واشنطن تدرس تداعيات سيناريو توقف المحادثات أو فشلها، وإن تركيزنا ينصب على كيفية عدم توسيع الصراع وكيف نحمي قواتنا في المنطقة.

وبشأن الحديث عن صفقة أميركية مع “حماس” تستثني إسرائيل، نقلت شبكة “سي إن إن” عن مسؤول في إدارة بايدن أن واشنطن لم تقدم أي عرض للحركة لتأمين إطلاق سراح الأسرى الأميركيين في غزة، وأنها لا تملك القدرة على إبرام اتفاق أحادي الجانب مع “حماس”.

وفي السياق ذاته، كشف أمس نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي “محمد الهندي”، أن اسرائيل أرسلت مبعوثين لقيادة الحركة من أجل عقد “صفقة تبادل” ثنائية من دون “حماس”، وأوضح الهندي، “ان نتنياهو أرسل مبعوثًا من الأمم المتحدة للتفاوض مع حركة الجهاد على صفقة تبادل أسرى دون حماس”.

وأضاف “ان دولة إقليمية فعلت ذلك في محاولة أخرى، لكن الحركة رفضت، وأكدت على تفويضها حماس”.

ووصلت مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة مرحلة حرجة جراء إصرار نتنياهو على مواصلة الحرب على القطاع وعدم الانسحاب من محوري نتساريم وفيلادلفيا وسط وجنوبي القطاع، بالمقابل تتمسك “حماس” بإنهاء الحرب وعودة النازحين والانسحاب الإسرائيلي من كامل القطاع.

وتواصل إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 حربها المدمرة على غزة بدعم أميركي واسع، مما خلّف حتى اللحظة أكثر من 135 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.

وهناك يبقى التساؤل المطروح.. من يملك قرار إنهاء حرب غزة؟ وماذا يعني وصول ترامب للحكم في ظل الحرب؟ وهل ستتغير الأوراق التي بيد “حماس”؟

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى