مفارقات النص القصصي في مجموعة فاتن ديركي الجديدة
خاص
عن دار توتول في دمشق أصدرت الكاتبة فاتن ديركي مجموعتها القصصية الجديدة (يوميات رجل مدمن)، وفي جوّها العام تعرض مفارقات تحمل عدة أنواع من الرسائل فواحد يعتمد على النهايات التي تكشف مفارقات في الحياة والعلاقات الإنسانية وآخر يخلص إلى مفارقة مرّة تثير الدهشة ، وثالث يأخذنا إلى قصص القضاء .. وهكذا.
وفي النموذج القصصي الذي حملت المجموعة اسمه (يوميات رجل مدمن) نتعرف على سكير مدمن يلجأ إلى المقبرة وحيداً ليعاقر الخمر والحشيش فيها، لكنه يكتشف أن أصحاب القبور التي يجاورها يحتجون عليه وعلى إزعاجه لعظامهم من دون أن يراهم ، فهذا يحتج على دخان سجائره وهذا يحتج على رمي زجاجة الخمر التي أصابت جمجمته، وفي حالة من الحالات يسمع صخب احتفالية المتوفى أبي حاتم الذي يدفن حديثاً.
وبين ليلة وأخرى من ليالي هذا المدمن، تأخذنا القصة إلى نهايتها المفاجئة، وفي هذه النهاية يشعر المدمن بوخزة في جانبه الأيسر، ثم يموت ، فإذا بالصمت يعم المقبرة، وكأن الضجيج الذي نقرأ عنه، كنا نحسه بأحاسيسه.
في جانب من القصص ثمة نوع من الوعظ غير المباشر، كما في قصة (أريدُ صبياً) ، وفي جانبها الاجتماعي أن امرأة لا تنجب إلا البنات فتسعى من أجل الذكور، وتشرح القصة أن الزوج هو من يحدد نوعية المولود، ثم نتعرف على حلم هذه المرأة حيث تحلم أنها طلقت زوجها وتزوجت جارها أبا غياث الذي لا تنجب زوجته إلا الذكور، وعند الصباح تستيقظ لتكتشف معاناة هذا الرجل مع ابنه غياث الذي يتعاطى المخدرات، وتختم قصتها بشعورها بأنها مزهوة ببناتها ، وكأن الفرق بين الذكور والإناث هو دورهم في هذه الحياة، وهي رسالة القصة.
هذا الموضوع نتعرف عليه في قصة أخرى سنتوقف عندها بعد قليل هي قصة (بنت) حيث يتمنى الأب أن تنجب له زوجنه ابنة لتكون شريكة مع ابنيه، وكأنها أرادت استكمال المعادلة في قصة (أريدُ صبياً).
ثمة فكرة أخرى تطرحها القصص ، تحملها قصة (مفقود) ، فأمام غرابة النتائج التي تظهرها وقائع الحرب، تفقد إحدى الزوجات زوجها وهي أم لثلاثة أطفال، لتبدأ معاناتها مع مصاعب الحياة، فيقنعها أحدهم بالزواج من رجل ثري يعيل أسرتها، وتجري عملية ترتيب الزواج بواسطة شهود الزور، وبينما القاضي يهم بعقد الزواج معتمدا على شاهدي زور يصرحان بأنهما شاهدا زوجها وهو يموت في الحرب، يعود الزوج ويدخل المحكمة ليكشف بشاعة هذا النوع من الشهادات!
وفي هذا الجانب نكتشف استفادة الكاتبة فاتن ديركي من عملها في المحاماة، وتتكرر هذه الاستفادة في قصة (باص المحامين)، وتحكي عن صحفي أراد الحصول على استشارة صحفية، ولكنه انسحب بعد أن عرف أن عليه أن يدفع خمسين ألفاً ثمن الاستشارة، وعندما يخرج من القصر العدلي ليركب وسيلة نقل يعود بها يجد باص المحامين فيركب فيه، وهناك يحصل على الاستشارة من محام مخضرم بشكل مجاني على أساس أنه زميل متدرب، لكنه يستثمر المسألة فيما بعد إلى أن يٌكتشف فيتصنع الإغماء لكن أحد المحامين يجد بطاقة الصحفي في جيبه .
في قصة أخرى على هذا الصعيد، وعنوانها (أل التعريف) ، نحن أمام قضية مواطن اسمه يوسف الذليل يريد تغيير كنيته فيعجز ، حتى أنه يكتفي بطلب حذف أل التعريف فقط ، ومع ذلك يرفضون هذا التعديل، وفي مفاجأة النهاية، يتم توقيفه لتشابه اسمه مع مطلوب اسمه (يوسف ذليل) ، فينجو لأن الفرق بين الاسمين هو (أل النعريف) .
وإذا كانت الأسلوب الساخر هو الطابع العام لنصوص مجموعة القصص، ففي الجانب الإنساني مايستحق الوقوف عنده، كتلك القصة التي تتحدث عن أختين تؤأم اسمهما (ساندي وسالي)، فإذا نحن أما شفافية التشابه المتطابق بين الأختين اللتين تدرسان في مدرسة واحدة، وذلك عندما تمرض إحداهما في يوم فحص الرياضيات ، فتقوم الأخرى بتعديل شعرها ليشابه شعر أختها وتقدم الفحص لمقدرتها بالرياضيات، وعندما تخرج من الامتحان تتصل بشقيقتها لتطمئنها بما فعلت، لكن موجهة الصف بالمرصاد تسمع الاتصال وتعاتبها على هذه العملية الخاطئة .
في قصة صاحب الخط الجميل مفارقة أخرى ، عندما يصف الأصدقاء للراوي أحد معارفهم بأنه (صاحب خط جميل) ، أي (خطه حلو) في اللغة الدارجة بمعنى أنه يكتب تقارير، وعندما يلتقي الراوي/ الراوية به يسأله عن نوع الخط الذي يكتبه ظنا بأنه (خطاط) ، وعندها تحصل المفاجأة، ويرتبك أصدقاؤه الذين كشفوا سرّه .
بقيت قصة (بنت) التي أشرنا إليها، وفيها يقف القارئ أمام حيرة واضحة تجاه الممارسة الإنسانية، فمنير الذي سافرت زوجته إلى الخليج لتعمل هناك يتمنى أن يكون عنده بنت مع الطفلين الذي يقوم برعايتهما، وفي الطريق تتقدم طفلة صغيرة لتمسح سيارته ، وبعد حوار بينهما يتمنى أن يتبناها لأنها يتيمة، وبالفعل يتبناها وينقلها إلى بيته ، فتسرق له الطناجر لتبيعها في الطريق!