مفاعيل الخطاب والحرب مسألة وقتٍ…
خلافًا لخطاباتٍ سابقةٍ للأمين العّام لحزب الله اللبنانيّ، حسن نصر الله، فإنّ الخطاب الأخير في يوم القدس، يوم الجمعة الفائت، حظي وما زال باهتمامٍ بالغٍ من قبل وسائل الإعلام العبريّة، التي تعتمِد على مصادر وازنةٍ جدًا في المنظومة الأمنيّة بالكيان، والتي حاولت سبر غور إستراتيجيّة حزب الله ومُحاولة استشراف المُستقبل القريب.
وكان لافتًا جدًا أنّ الإعلام الإسرائيليّ شدّدّ في تحليلاته على أنّ السؤال ليس هل تقع المواجهة القادِمة مع حزب الله، بل متى، بلْ أكثر من ذلك، حيثُ تطرّقت لإمكانية نشوب مُواجهةٍ إقليميّةٍ بمُشاركة إيران، سوريّة وحزب الله والتنظيمات الفلسطينيّة بقطاع غزّة، والحركات العسكريّة المُوالية لإيران في العراق، أيْ حربًا على عدّة جبهاتٍ، على حدّ قول المصادر الأمنيّة الرفيعة في تل أبيب.
وفي هذا السياق، ونقلاً عن مصادره الأمنيّة، أكّد مُحلِّل الشؤون العسكريّة في صحيفة (هآرتس) العبريّة، عاموس هارئيل، أنّ خطاب نصر الأخير وضع النقاط على الحروف في قضية الاعتداءات التي تشُنّها إسرائيل في سوريّة، وأوضح أنّ قواعد اللعبة والاشتباك ستتغيّر، الأمر الذي يضع سؤالاً جديدًا أمام دولة الاحتلال في كيفية التعامل مع التهديد الجديد، على حدّ تعبير المُحلِّل هارئيل.
عُلاوةً على ما ذُكِر أعلاه، أوضح المُحلِّل هارئيل أنّه سبق ونشر أنّ نشاط حزب الله اللبناني أضّر بالتفوق الجويّ لجيش الاحتلال الإسرائيليّ، وقد تآكلت قدرة سلاح الجو بفضل ما يمتلكه حزب الله، الذي يظهر أنّه على استعداد للدخول في مخاطرةٍ جديدةٍ.
وبحسب المصادر التي اعتمد عليها، فإنّ ما يُعرَف باتفاق الغاز بين لبنان والكيان لم يجلِب الأمن والأمان، حيثُ تساءل المحلل هارئيل: “هل الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، الذي كسب الكثير في الاستطلاعات بفضل التهديدات الأخيرة بالمسّ بحقل (كاريش)، سيكتفي بهذه التفاهمات؟”.
وأضاف: “حتى بعد حلّ مشكلة الحدود البحرية وحفريات الغاز في حقل (كاريش)، فإنّه يصعب تجاهل الانطباع، أنّه وقع مؤخرًا تغييرًا أساسيًا نحو الأسوأ في الظروف على طول الحدود البرية وفي سماء لبنان، وجزء من الأمور يظهر في الجولات في المنطقة”.
وذكرت الصحيفة، أنّ “القاسم المشترك، في البرّ والبحر والجوّ، يتمثل بمقاربةٍ عدوانيةٍ ومتشددةٍ أكثر من قبل حزب الله، مع الاستعداد أكثر ممّا سبق للمخاطرة بالمواجهة، وإسرائيل حذرة في ردها كي لا تسمح بتصاعد الوضع”.
وأكّد المُحلِّل أنّ “تقليص حريّة عمل سلاح الجوّ في سماء لبنان، يقلل من الجمع الفعال للمعلومات الاستخبارية عن نشاطات حزب الله، ويضعضع ثقة إسرائيل بموثوقية المعلومات، التي تعمل بالتحديد كعامل كابح ضد التصعيد”.
وشدّدّ المُحلِّل على أنّه سبق واعترف نصر الله، أنّه “بفضل منظومات الدفاع الجويّ التي تزودنا بها، تمّ تقليص النشاطات الإسرائيليّة، وفي البقاع وفي الجنوب لم نشاهد طائرات إسرائيليّة مسيرة في هذه الأجواء منذ بضعة أشهر”، كما أنّه أكّد، أنّ “الجيش الإسرائيلي لم يعد قادرًا على فعل أيّ شيءٍ ضدّ نشاطات حزب الله لإنتاج الصواريخ الدقيقة”.
وأقر قائد سلاح الجو السابق، الجنرال عميكام نوركين في نيسان (أبريل) الماضي، بأنّ “حريّة العمل في لبنان تضررت”، في حين أن العميد احتياط آساف أوريون، قال في مقال نشر على موقع (معهد واشنطن) إنّ “الظروف العملياتية تغيرت في غير صالح إسرائيل، بما يصعب جهود الاستخبارات وتزيد الإمكانية الكامنة لحدوث نزاع أوسع مع حزب الله”.
وأشار أوريون، إلى أنّ “إسرائيل خلال العقد الماضي ركزّت جزءًا من هجماتها الجويّة في سوريّة في إطار (المعركة بين حربين) ضدّ بطاريات وصواريخ مضادة للطائرات، التي أرادت إيران تهريبها لحزب الله، ومع ذلك، فإنّه في السنوات الأخيرة نجح الحزب في أنْ يُطوِّر بصورةٍ كبيرةٍ منظومات دفاعه الجويّ في لبنان”.
وأضافت الصحيفة في تقريرها أنّه في 2019، هدد نصر الله بالمس بالطائرات المسيرة الإسرائيلية في سماء لبنان، ولاحظ أوريون الذي تولى إدارة العلاقات مع الأمم المتحدة من خلال فحص تقارير وصلت المنظمة الدولية، “هبوطًا دراماتيكيًا في توثيق النشاطات الإسرائيليّة الجويّة في سماء لبنان، حيث انخفضت ما بين 70 و90 في المائة في السنة الماضية مقارنة مع السنوات السابقة”.
وأكّد أوريون أنّ “قدرة حزب الله على العمل على تآكل تفوق إسرائيل الجويّ في لبنان، ستُجبِر الجيش على البحث عن بدائل لأساليب جمع المعلومات القائمة”، لافتًا إلى أنّ “إسرائيل ستُواجِه معضلة، فهل ستُسلِّم بالمس التدريجيّ بجودة المعلومات الاستخبارية أمْ إنّها ستواصل مهمات التصوير مع المخاطرة بتلقي ضربةٍ من منظومات الدفاع الجويّ لحزب الله؟”.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية