مفتاح الخليوي هو… الجسم نفسه
أحمد مغربي
أولاً، إنّه الجسد مجدداً. الأرجح أن لا شيء أكثر بروزاً منه في الذائقة الثقافية المتصاعدة منذ مشروع الحداثة، لكنه تحول إلى أكثر من مجرد ثقافة وعواطف في الآونة الأخيرة. يكفي تذكر ظاهرة الوشم أو الـ «تاتو» وانتشارها الذريع في الأجيال الشابة والمراهقة. انظر إلى لاعبي كرة القدم مثلاً، تكاد الأوشام تحتل معظم المساحات «المكشوفة» من أجسادهم، وكل وشم يحمل معنى وإشارة. تكاد الأوشام تحول الأجساد إلى لوح «تابلت» مكتوب عليه بحبر لا يمحى، أو بالحناء أو الليزر أو الأحبار المستوحاة من أزمان قديمة. ألا يوحي ذلك بشيء ما؟
من الوشم على الجسد، يأتي البعد الثاني: هَمّ الخصوصية وحماية البيانات والأجهزة الذكية. لم يكن الأمر محتاجاً إلى الخبير المعلوماتي الأميركي إدوارد سنودن ووثائقه الفضائحية عن تجسس «وكالة الأمن القومي» على من يعيشون على الأرض جميعاً، كي يكون همّ امتلاك «كلمة سر» مناسبة ملء العقول والمخيلات. ومنذ سنودن، صار ذلك الهمّ هاجساً مقلقاً لجمهور واسع، لكنه أشد إثارة لقلق صُنّاع التقنيات الرقمية بأنواعها كلها.
بين الأوشام المرسومة على الأجساد وفضائح سنودن، بين سعي الجسد إلى الانكشاف على العيون بمعاني الأوشام، وبين العيون الإلكترونية للاستخبارات الأميركية، برزت فكرة تربط بين الاثنين. ماذا لو صار الجسد هو نفسه «كلمة السر» التي تفتح بها الأجهزة التي ترافق الأجساد على مدار الساعة، كالهاتف الذكي والـ «تابلت» والـ «لاب توب» وغيرها؟
عملت مجموعة من اختصاصيي التقنية في جامعة واشنطن على تطوير تقنية تتعامل مع الجسد البشري مباشرة، بطريقة سلسة وغير مؤذية، فتجعله «مفتاحاً» للأجهزة التي يستعملها الناس في الحياة اليومية. ولفت نظر تلك المجموعة وجود مجموعة من التقنيات «الجسدية» المستخدمة فعلياً في العوالم الإلكترونية. ألا تمثل الأصابع وبصمتها «كلمة السر» لمجموعة من أجهزة الـ «لاب توب» والهواتف الذكية؟ ألا تستخدم المطارات «بصمة العين» للتثبت من هوية عابريها، بل إن مؤشرات العين والإبهام تستعمل في وثائق السفر الحديثة تحت مسمّى «بيومتري» Biometry، ومعناه «قايسات بيولوجية»؟
موجات تتغلغل وترتد
استناداً إلى تلك المعطيات، ركزت المجموعة على تقنية التعرّف إلى بصمة الأصبع. وعندما توضع الإصبع على المكان المخصص لها، يعمل مجس حساس على جمع معلومات عن تركيبة بصمة الإصبع وخصائصها المميزة في كل إبهام. ووفق البروفيسور شيام غولاكوتا الذي قاد المجموعة، تمّ العمل على قلب دور ذلك المجس، بمعنى جعله أداة لبث المعلومات عن بصمة الإصبع إلى الجسد. ولأن تلك المجسّات تعمل بموجات راديو تقارب الـ30 ميغاهيرتز، أدّت الدراسات التي أجرتها المجموعة إلى أنها تصلح لبث موجات راديو ضمن نطاق يتراوح بين 2 و10 ميغاهيرتز، فتكون صالحة كي «تسير» عبر الجسد، من دون أن تكون مؤذية له. وكذلك تيقنت المجموعة من كون ذلك البث يعمل بثبات في ظروف مختلفة، بمعنى اختلاف الأجساد في الطول والوزن والتركيب والحرارة، وكذلك الحال بالنسبة للأحوال الجوية.
وعرضت المجموعة نتائج دراساتها (مع مجس التصديق على صحة بصمة الإصبع)، ضمن مؤتمر مختصّ استضافته جامعة «هايدلبرغ» الألمانية أواخر خريف 2016.
وركّزت مجموعة غولاكوتا التي ضمّت مختصّين آخرين هما ميرداد هيسار وفيكرام آيير، على المجسات المستخدمة في هواتف «آي فون» والكومبيوترات المحمولة التي تصنعها شركة «لينوفو» Lenovo. ومع الانقلاب في دورها، صارت مجسات التعرّف إلى بصمة الإصبع في تلك الأجهزة، قادرة على بثّ بيانات تلك البصمة إلى الجسد باستخدام موجات راديو ضعيفة. وتصل تلك البيانات إلى مجس آخر يلصق على أي منطقة في الجسم (الرجل، البطن…)، يتولى أمر «التصديق» على صحة تلك البيانات.
صحيفة الحياة اللندنية