مقامرة كردية في ظلال البركان السوري!

سعى أكراد سوريا، يوم أمس، إلى فرض معادلتهم على المشهد المضطرب، عسكرياً وتفاوضياً، بإعلانهم الشمال السوري (روج آفا) كياناً فدرالياً، طارحين هذا الخيار بمثابة مقدمة لـ «حل كامل» للأزمة السورية، في توقيت ملفت للانتباه، بعد يومين على بدء الانسحاب الروسي الجزئي من سوريا، وفي الوقت الذي كانت فيه مفاوضات جنيف تدخل في صلب البحث السياسي، بعد تطرق الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا بالعمق إلى المرحلة الانتقالية في أحدث اجتماعاته مع الوفد المعارض.

الخطوة الكردية قوبلت بردود أفعال تراوحت بين الفتور والتحفظ والرفض، بالنظر إلى انعكاساتها المباشرة على العملية السياسية التي ما زالت تسير بصعوبة وسط حقول الألغام المحلية والإقليمية الدولية، ولكونها استبقت نتائج جنيف السوري، وإن كان رعاة العملية التفاوضية يتحملون قسطاً من المسؤولية إزاءها، باستجابتهم للفيتو التركي على واحد من المكونات الرئيسية في سوريا، وأحد الأطراف الفاعلة في القتال ضد المجموعات التكفيرية، وهو ما تُرجم باستبعاد «حزب الاتحاد الديموقراطي» عن مفاوضات جنيف.

وفي المقابل، فإن الخطوة التي فاجأ بها أكراد سوريا الجميع، لم تراع الجهود الحثيثة التي تبذلها الأمم المتحدة لتصحيح خطأ استبعاد «حزب الاتحاد الديموقراطي» عن مفاوضات جنيف، ولا شك أنها تنطوي على قدر كبير من المغامرة، على المستويين السياسي والعسكري، لا سيما في ظل الموقف التركي الرافض بشدة لوجود كيان كردي سياسي على طول الحدود السورية – التركية، وهو ما ينذر بتكرار تجارب استقلالية سابقة قام بها الأكراد، وكان مصيرها توافقاً دولياً على إجهاضها، ولعل أقربها إلى الذاكرة تجربة جمهورية مهاباد التي تأسست في أواسط الاربعينيات في أقصى شمال غرب إيران ولم تدم أكثر من 11 شهراً، بعدما التقت المصالح الإقليمية والدولية لإسقاطها.

وأعلنت أحزاب سورية كردية، في ختام اجتماعها في رميلان في الحسكة، النظام الفدرالي في مناطق سيطرة الأكراد في شمال سوريا، في خطوة تراها مقدمة لاعتماد نظام مماثل في الأراضي السورية كافة ما بعد الحرب، وسارعت دمشق ومعارضة الرياض وواشنطن وأنقرة إلى رفضها. ويعد هذا الإعلان رسالة واضحة إلى المجتمعين في جنيف يؤكد فيها الأكراد، الذين تم استبعادهم عن المفاوضات، أنهم عنصر أساسي سياسي وعسكري في المجتمع السوري، ولا يمكن أن تنجح عملية سياسية من دونهم.

وتم إعلان النظام الفدرالي خلال اجتماع شارك فيه أكثر من 150 شخصية من شمال سوريا، بينهم أكراد وعرب وسريان واشوريون وتركمان وأرمن، في رميلان في محافظة الحسكة.

وقال سيهانوك ديبو، مستشار الرئاسة المشتركة في «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي السوري، «تم إقرار النظام الفدرالي في روج آفا – شمال سوريا».

وتم انتخاب رئيسين للمجلس التأسيسي للنظام الفدرالي، هما العربي منصور السلومي والكردية هدية يوسف. والمناطق المعنية بالإعلان هي المقاطعات الكردية الثلاث، عين العرب (كوباني) في ريف حلب الشمالي وعفرين في ريف حلب الغربي والجزيرة (الحسكة)، بالإضافة إلى تلك التي سيطرت عليها «قوات سوريا الديموقراطية» مؤخرا خصوصا في محافظتي الحسكة وحلب.

وسارعت كل من دمشق ومعارضة الرياض وأنقرة وواشنطن إلى تأكيد رفضها الخطوة الكردية.

وحذرت دمشق «أي طرف تسول له نفسه النيل من وحدة أرض» سوريا، مؤكدة أن «طرح موضوع الاتحاد أو الفدرالية سيشكل مساسا بوحدة الأراضي السورية، ولا قيمة قانونية له».

وأكد «الائتلاف» أن «لا مكان لأي مشاريع استباقية تصادر إرادة الشعب السوري». واعتبر عبد الحكيم بشار، العضو في «الائتلاف الوطني» السوري و «وفد الهيئة العليا للمفاوضات» في جنيف، أن إعلان الفدرالية «مغامرة غير محسوبة وتلحق الضرر بالقضية الكردية».

وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية جون كيربي إن واشنطن لن تعترف بمناطق للحكم الذاتي داخل سوريا، وإنها تعمل من أجل دولة موحدة غير طائفية تحت قيادة مختلفة. وقال «لا نؤيد قيام مناطق ذات حكم ذاتي أو شبه مستقلة داخل سوريا». وأضاف «ما نريده هو سوريا موحدة بكاملها بها حكومة لا يقودها (الرئيس) بشار الأسد تستجيب (لتطلعات) الشعب السوري. سوريا كاملة موحدة غير طائفية. هذا هو الهدف»، مشيراً إلى أن دولا أخرى تؤيد أيضا هذا الهدف.

وأعلن مسؤول تركي رفيع المستوى لوكالة «رويترز» أن أنقرة تعارض أي خطوات منفردة لإقامة كيانات جديدة في سوريا على أساس عرقي. وقال «انسحاب روسيا الجزئي قد يلطف الأجواء هناك. ينبغي أن تظل سوريا واحدة من دون إضعافها، وينبغي أن يقرر الشعب السوري مستقبلها بالاتفاق وبموجب دستور. أي مبادرة منفردة ستضر بوحدة سوريا».

وحصلت «فرانس برس» على «وثيقة النظام الاتحادي الديموقراطي لروج آفا – شمال سوريا» التي اعتمدت في اجتماع رميلان. واعتبرت الوثيقة أن «الحل الواقعي في سوريا هو نموذج الديموقراطية والفدرالية الديموقراطية، وان تأسيس الاتحاد الديموقراطي لروج آفا – شمال سوريا هو ضرورة للتنسيق بين مناطق الإدارة الذاتية، وضمان لوحدة الأراضي السورية».

وأشارت الوثيقة إلى انه سيتم «إنشاء مناطق الإدارات الذاتية الديموقراطية التي تدير نفسها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والصحية والتعليمية والدفاعية والثقافية»، مضيفة «سيتم تحديد حدود هذه المناطق وصلاحياتها وفقا لقوانين» النظام الجديد، وان «النظام سيحقق مشروعيته من خلال إرادة الانتخاب الحر من الشعب والجماعات المحلية».

وقال المسؤول الإعلامي في «حزب الاتحاد الديموقراطي» في أوروبا إبراهيم ابراهيم إن «الفدرالية في مناطق روج آفا – شمال سوريا تأتي في إطار رؤية كاملة لضرورة اعتماد نظام فدرالي في كامل سوريا لاحقا، على أن يحدد الدستور الجديد العلاقة بين المقاطعات التي تدير نفسها والمركز في دمشق». ورأى أن «الشكل الفدرالي لإدارة سوريا هو الأمثل حفاظاً على سوريا من التقسيم»، وخصوصا بسبب «أزمة الثقة التي نشأت مؤخرا بين المكونات السورية والتجربة الوحيدة التي أعادت الثقة هي الإدارة الذاتية».

وأكد عضو الهيئة التنفيذية لـ «حركة المجتمع الديموقراطي» الكردية الدار خليل أن «مؤتمر جنيف لن ينجح من دوننا، نحن متواجدون على الأرض ونحارب داعش ونحمي المنطقة وندير شؤونها وجغرافيتها».

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى