مكافحة نفوذ «داعش» الإعلامي: حرب إلكترونية موازية
أمطر أعضاء «داعش» وأنصاره وسم (هاشتاغ) منتدى الإعلام العالمي الثامن بوابل من الشتائم والانتقادات رداً على تغريدات مشاركي جلسات الملتقى الخاصة «بوسائل التواصل الاجتماعي والجهاد الرقمي» و «محاربة التطرف والتجنيد على الشبكة العنكبوتية».
لم تتوقف مداخلات أنصار «الدولة» عبر الفضاء الإلكتروني خلال أيام انعقاد المؤتمر – الذي نظمته مؤسسة «دويتشه فيليه» في بون بين 22 و 24 حزيران (يونيو)، خصوصاً حين غرّد أحدهم ضد التنظيم الإرهابي.
فهؤلاء باتوا يخترقون حرمات البيوت ويستبيحون المؤتمرات ويتحدثون مع من يريدون متى يشاؤون عبر الفايسبوك وتويتر وإنستغرام ويوتيوب، في إطار استراتيجية إعلامية معقدة ومحكمة وضعها التنظيم لترويض التكنولوجيا الرقمية لكسب عقول وأفئدة الصغار والكبار، منذ إقامة ما يسميه «دولة الخلافة الإسلامية» العام الماضي.
مناصرو «داعش» أرسلوا مقاطع فيديو ترويجية محترفة للرد على ورود اسمهم وإدانة عملياتهم البربرية. أعادوا نشر موادهم الخاصة بـ «من أجل حملة المليار» التي تناشد المسلمين نشر رسائل وصور ومقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي دعماً لـ «داعش». بعض التعليقات كتبت بإتقان تام للغتين الألمانية والإنكليزية.
وتزامن هذا «الجهاد الإلكتروني» مع الذكرى الأولى لقيام دولتهم في أجزاء من سورية والعراق على وقع عمليات إرهابية مبتكرة في إطار استراتيجية «داعش» القائمة على «الصدمة والترويع». تمثّل رعب التنظيم بإعدام مدنيين في مناطق نفوذه الجغرافي والسياسي في سورية والعراق من خلال تفجير رؤوسهم وإغراقهم داخل أقفاص بالتزامن مع سلسلة تفجيرات متزامنة طالت تونس والسعودية والكويت وهجوم على مصنع في فرنسا.
فـ «داعش» بات يتمدد كالأخطبوط في الفضاء الافتراضي رغم كل محاولات شركات غوغل وفايسبوك وإنستغرام وتويتر وغيرها إغلاق حساباته وحسابات مؤيديه من خلال شن حروب رقمية.
بروباغاندا التنظيم تبّثها أذرع دعائية وخطاب إعلامي معزز بأدوات تواصل اجتماعي تستخدم آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا الرقمية المحببة للشباب لصيدهم وتجنيدهم. آخر الطرائد فتاة مسيحية كتبت عنها صحيفة «نيويورك تايمز» قبل أيام. كما في العالم الافتراضي، كذلك يتمدد «داعش» على الأرض رغم كل التغني بشن الغارات الجوية والتحالفات العربية والدولية ضد هذا التنظيم. ويستغل الحواضن والرافعات الاجتماعية والدينية والسيكولوجية المنتشرة في بؤر التعاطف الشعبي في المنطقة وخارجها ويلعب على أوتار الحرب النفسية. ويقدم إعلام «داعش» منتجاً قائماً على خلط الحقائق ومزجها مع إضافة نكهات لرسائل جاهزة ومدعومة بصور ونصوص تبدو حقيقية، خصوصاً في غياب مصدر ثالت مستقل.
قصّة نجاح
جلسات المؤتمر تناولت الأسباب التي ساهمت في تحويل «داعش»، وفق مؤيدي التنظيم ومريديه، إلى قصّة نجاح نادرة في العالم العربي. كذلك سر نجاحه في تجنيد أبناء وبنات كادحين ومثقفين يتحدرون من الطبقة الوسطى تحولوا من محبين للحياة إلى عشّاق للذبح والدمار في الغرب الذي انطلق منه 10 آلاف مقاتل للانخراط في صفوفه. تطرق المشاركون إلى حزمة عوامل سياسية واجتماعية وسعي الجيل الجديد للبحث عن «هوية واضحة» في مجتمعات تعمل دون بوصلة. كما توقفوا مراراً عند تحديات إدماج غير الغربيين في المجتمعات الغربية، حيث ديموقراطيات عريقة وحريات للفرد وقيم وتقاليد مختلفة وفصل للدين عن الدولة. تطرق مشاركون إلى الآلية التي أحالت أبو بكر البغدادي – «خليفة» هذه الدولة الإرهابية – إلى رمز عابر للقارات شبيه برمزية المناضل الأرجنتيني تشي غيفارا، الطبيب ابن العائلة البرجوازية الذي تحول في أقل من عقد إلى ثائر ومفكر وزعيم للفدائيين ومنظّر عسكري يبحث عن القتال في أي بقعة في العالم. وهكذا وسم في عيون عشّاقه بأنه مكافح أسطوري ورمز للثورة الكوبية ضد الإمبريالية مرادف للنضال المشروع من أجل الحرية. في الخندق الآخر، كان ينظر إليه باعتباره إرهابياً مكروهاً ووحشاً كاسراً.
اسم البغدادي اليوم في ظل ممارسات التنظيم يثير الشيء ونقيضه: الحب أو الكراهية. النضال لتحقيق إمبراطوريته أو الإرهاب والمذابح الوحشية.
ناقش مؤتمر بون خطط «داعش» الإعلامية المنظمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتجنيد شباب وشابات، ثم انتقاء صور ومواد صادمة يفترض أن تولد شعوراً بالرعب لدى أعدائه ونيل إعجاب مجموعات متطرفة أخرى.
آلاف الجلسات عقدت حول العالم لمناقشة موضوع مؤتمر بون نفسه. لكن التنظيم لا يكترث بصورته لدى عامة الناس ويدرك أن العوامل الموضوعية تصب في مصلحته، في منطقة غالبية دولها فاشلة ومجتمعاتها مهمشة. فهو يتمدد صوب تخوم دمشق وبغداد، ويحتل مدناً ويوسع قاعدة أتباعه حول العالم بالاعتماد على سحر أقواله ورهاب أفعاله، مستغلاً عوامل سياسية واجتماعية وأيديولوجية عابرة للقارات.
توقف المشاركون في حلقات المؤتمر النقاشية عند محتوى رسائل «داعش» لتجنيد الفتيات. وأجمع المتحدثون على أن أنصار «داعش» من الجنس اللطيف هم من يطور هذه الرسائل ويتصل بالفتيات عبر بريدهن الإلكتروني لإقناعهن بـ «الخلافة الفاضلة». يبيعونهن فكرة أن «الانضمام إلى داعش سيغير حياتهن للأفضل وأن ذلك جزء من الواجب الديني…».
تحدثوا أيضاً عن كيفية حماية الصحافيين من صدمة ما بعد التعامل مع أفلامهم الدموية، بما فيها من مشاهد قتل وتنكيل بالجثث وتفجير رؤوس. فمشاهد الذبح وحرق الناس وهم أحياء ستترك آثاراً نفسية سلبية.
لمحاربة آلة «داعش» الدعائية، طالب المشاركون الحكومات بسرعة التدخل عسكرياً (على الأرض وجواً) لإخراجهم من المناطق وتدمير نموذج يدغدغ مشاعر المتطلعين إلى عالم مثالي لم يجدوه على الأرض. عالم تتحقق فيه الشريعة والمساواة في دولة الخلافة مع إلغاء الحدود السياسية، وإقامة الدين وتوفير العدالة الاجتماعية والخدمات التعليمية والصحية وإطعام الفقراء. يضاف إلى ذلك سراب الأمن ووأد الفوضى عبر فرض عقوبات رادعة مثل قطع يد السارق وحض الناس على الصلاة واستبدال نظام الضرائب الرأسمالي بالزكاة.
طالب المشاركون أيضاً بأن تختصر الحكومات الإجراءات البيروقراطية في محاربة «داعش» من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والسماح لمنظمات المجتمع المدني بدخول ساحة الحرب الإلكترونية ضد هذا التنظيم. فبإمكان القطاعين العام والخاص محاصرة مؤيدي «داعش» عبر الانترنت وفضح مخططاتهم ونشر أسمائهم وأيضاً تعطيل وسائل اتصالاتهم. هكذا تعاون قد يفيد في توفير مراقبة فعالة لتحركات «داعش» عبر الانترنت. والأهم، تطوير خطاب يناهض ممارسات «داعش» الإرهابية من خلال البحث عن دواعش هجروا التنظيم لكشف فظائع العيش تحت حكمه وخلق غرف لحوارات دينية منفتحة تعري مفاهيمهم المغلوطة عن الإسلام.
صحيفة الحياة اللندنية