ملامح النشاط الحزبي في سورية خلال الحرب (2011ــ 2018)

عندما بدأت الحرب في سورية عام 2011، كانت اللوحة العامة للخارطة السياسية الحزبية تنحصر في موقعين أساسيين، الأول يتعلق بتحالف ماسمي بأحزاب الجبهة الوطنية التي يقودها حزب البعث ، والثاني يتعلق بقوى ومجموعات سياسية عارضت السلطة في فترات مختلفة لكنها وجدتْ في حراك “الربيع العربي” فرصةً لطرح نفسها من جديد .

وهذا يعني تلقائيا، أن صورة العمل السياسي الرسمي والمناوئ له على السواء كانت هشة مريضة تتسم بالرخاوة وفقدان التماس الفعلي مع جمهورها إلى الدرجة التي كانت فيها الجبهة الحاكمة في سورية عبارة عن مجموعة من بقايا الأحزاب التاريخية التي انكفأت عن العمل السياسي يقودها حزب البعث القوي نتيجة قوة الدولة، فيما كانت الأحزاب الأخرى تلملم أشلاءها نتيجة الفشل العضوي أو نتيجة الملاحقات الأمنية أو نتيجة التطرف والأصولية.

والمؤدى العام لهذه المعطيات أن الشعب السوري فاجأته الحرب وسط معمعة التغييرات السياسية العربية وشعاراتها البراقة دون يكون لديه أحزاب قوية عميقة الجذور وواضحة الرؤية، بل إن حزب البعث نفسه شهد أوسعَ تمرد بين أعضائه انضموا إلى الصف الآخر، وكثيرون منهم حملوا السلاح في وجه الجهة التي كانوا ينتمون إليها سياسيا والتي كانت تقود الدولة!

لقد أفرزت الحرب تفاعلات مهمة على صعيد البنى التي تتألف منها هذه القوى، وكان من الطبيعي أن نلمس معطياته على الأرض، فإذا ببقايا القوى السياسية التي حملت لواء المعارضة والتغيير تطرح نفسها كبديل عن القوى الكلاسيكية الموجودة في الحكم، وساعدها ذلك الإعلام الذي شرّع لها أبوابه بشكل مقصود، عبر الفضائيات ليشارك رموزها في التحليل السياسي وشرح أبعاد الأحداث ومحاولة رسم مسار لها.

وسريعا عرف السوريون شخصيات سياسية تتحدث باسمهم، وكان بعضهم محسوبا على أجهزة أمن سورية وعربية، كما انكفأت القوى التي يتشكل منها الائتلاف الحاكم، فصمتت أحزاب وارتبكت قوى إلى الدرجة التي لم يقم حزب البعث نفسه بتشكيل فصائل مسلحة تدافع عنه، كما حصل في الثمانينيات، وعلى العكس من ذلك تراجع أداء القوى السياسية، وتقدمت أدوات الدولة نفسها في حسم الصراع ، وأخرجت هذه الخطوة الأحداث من مجرى خلاف البرامج السياسية التي ادعت الجهات المعارضة أنها ثورة، ووصفتها القيادة السياسية بأنها جزء من مشروع الفوضى الأمريكية التي تسعى إلى تفتيت المنطقة ونهب ثرواتها، إضافة إلى إسقاط مشروع المقاومة.

انخرطت في الصراع قوى أخرى شكلتها الحرب، ومنها قوى ومجموعات عسكرية حملت السلاح، في خطوة سيسجلها العالم بأنها من أخطر المراحل التي مرت بها سورية بعد الاستقلال، بل وساعد ذلك على تشظي المجتمع السوري وانخراطه في حرب تحمل أهدافا ليست أهدافه، وخاصة بعد خروج مناطق شاسعة وعديدة عن سيطرة الدولة!

وصل عدد القوى والفصائل المسلحة التي تنخرض في الاشتباك العام إلى أكثر من ثلاثين، وكانت تتداخل في حركتها مع قوى اقليمية من خلال حاجتها إلى الدعم المالي والعسكري والاعلامي، أو من خلال ارتباطها بمشروع اقليمي. ومع تنامي هذه الظاهرة انكفأت بقايا القوى السياسية التي رفعت أصواتها في البداية وتحول رموزها إلى مايشبه المحللين السياسيين الذين يبررون ويقرؤون تفاصيل الصراع الدموي الجاري على الأرض .

وبالإضافة إلى ذلك، أفسحت القرارات الجديدة، ومن بينها قانون الأحزاب الذي صدر، أفسحت في المجال لظهور وتشكيل أحزاب في الداخل السوري، حمل بعضها صفة المعارضة، لكنه ظل بعيدا عن الانخراط في الحرب، وأخذ على بعض هذه الأحزاب ارتباطها بالسلطة، أو محاولة تبرير مصالح لأصحابها، وبصورة عامة لم تتمكن من التأثير في الشارع السياسي السوري الذي نهشته الحرب سنة بعد سنة .

بعد أكثر من سبع سنوات من الحرب، ليس هناك قوى سياسية ومتجذرة ولها جمهور واسع على الأرض وبالتالي يمكنها الجلوس لتتحاور على مشروع وطني جامع، تحولت الصورة إلى صراع بين قوى ومجموعات مسلحة مدعومة من الخارج وقد أضحى ميزان القوى في غير صالحها، وبين الدولة نفسها من خلال بنيانها وأدواتها الشرعية (الجيش والشرطة والأمن) واتسمت الحالة التي وصلت إليها سورية على هذا الصعيد بصلاثة أطراف أساسية هي من شهدنا تمثيلها في أروقة المفاوضات الدولية :

الأول : ويتمثل بالدولة السورية، حيث لم تلغ الجهات الدولية ولا العربية اعترافها فيها رغم كل الضغوط العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية والإعلامية التي استخدمت لافشالها، وضمن هذا المعطى أقامت الدولة تحالفاتها وخاضت حربا ضارية أهم ما أنجزته فيها أنها جعلت الطرف الآخر يجد نفسه في مواجهة دولة شرعية يسعى لأن تعطيه شيئا من مطالبه التي تراجعت إلى مايمكن أن تنتجه الظروف الدولية بعد أن كان يسعى هو للسيطرة عليها عندما اندلعت الحرب.

والثاني: ويتمثل بمجموعات مسلحة من بينها مجموعات وصفها المجتمع الدولي بالإرهابية و فقدت المساحات التي كانت تسيطر عليها تباعا، ولم تتمكن من توليد برنامج سياسي قابل للتنفيذ في ضوء تغيير موازين القوى وتخلي الدول الداعمة عن تقديم العون لها.

الثالث: ويتمثل بقوى سياسية تحركت خلال الحرب ضمن الإطار السياسي، وجعلت من رؤيتها السياسية قوة وضعتها على طاولة المفاوضات ومن خلال هذه الرؤية يمكن لها المشاركة في أي خطوة لتصورات قادمة للحل الوطني.

والحل الوطني على ذلك محصور وفقا للمعطيات الحالية بما يتم التوافق عليه دوليا وإقليميا مع الدولة السورية نفسها، وهذا يعني ببساطة رسم آخر نتائج الحرب الصعبة التي استمرت منذ أكثر من سبعة أعوام !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى