تحليلات سياسيةسلايد

ملفّ الأسرى «يأسر» نتنياهو: لا «صفر نار» في شمال غزة

يوسف فارس

وجد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، نفسه مرغماً على طلب العودة إلى مفاوضات تبادل الأسرى، وهو يعلم أنه سيدفع ثمناً كبيراً هذه المرّة، نتيجة التخبط السياسي والعسكري الذي رافق عملية قتل ثلاثة من الأسرى الإسرائيليين بنيران جيشهم، ومجمل تعامل حكومته مع هذا الملف، والذي أثار فزع الأهالي ودفعهم إلى الشارع للمطالبة باستعادة أبنائهم فوراً وبأي ثمن.

 

ونقلت محطة «سي أن أن» الأميركية عن مصادر قولها إن الاجتماع الذي عقده أول من أمس، رئيس «الموساد» الإسرائيلي، ديفيد بارنياع، مع رئيس وزراء قطر، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في عاصمة أوروبية لم يُكشف عنها، «كان إيجابياً»، وإن الاثنين يتوقّعان استمرار المفاوضات حول إطلاق باقي الأسرى. كذلك، نقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن مصادر أمنية مصرية قولها إن كلاً من حركة «حماس» وإسرائيل منفتحتان على التوصل إلى هدنة، لكنّ الخلاف يكمن في التفاصيل. وذكر موقع «أكسيوس» الأميركي، بدوره، أن مدير «سي آي إي»، ديفيد بيرنز، ورئيس المخابرات المصرية، كامل عباس، أُطلعا على مضمون المحادثات.وكانت «حماس» قد أعلنت رفضها التفاوض على ملف الأسرى، قبل التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار، ما وضع نتنياهو وأركان حكومته أمام خيارات صعبة، إذ تحدّث الكاتب في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، عاموس هارئيل، عن تضارب بين هدفين وضعهما نتنياهو – وهما استعادة الأسرى والقضاء على «حماس» -، ولا يمكن تحقيقهما معاً. وفي الصحيفة نفسها، كتب يوسي فيرتر أن نتنياهو هرب من المسؤولية بعد مقتل الأسرى الثلاثة، ثم رفض الاجتماع مع أهالي الأسرى، رغم أنه سارع إلى حصد المكاسب عندما جرى إطلاق عدد من هؤلاء خلال الهدنة، مقارناً بينه وبين الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي خصّص ساعتين من وقته للقاء عائلات الأسرى الأميركيين الذين يحملون جنسيات إسرائيلية.

ميدانياً، وبعد 72 يوماً على بدء الحرب، تشهد جبهات القتال في غزة، حالة من الروتين في نسق فعل العدو، وتحديداً في خطوط التماس شمال وادي غزة، حيث تحافظ الدبابات على حالة من عدم الثبات، تتقدّم إلى مناطق انسحبت منها سابقاً، ثم تعاود الانسحاب والتموضع سريعاً. وفي مقابل ذلك، يشير تجدّد الاشتباكات في كلّ الميادين والجبهات، إلى أن خلايا المقاومة في شمال القطاع تمكّنت بشكل مستمر من إعادة بناء ذاتها عقب كل خسارة منيت بها.

جبهات القتال

في بلدة بيت حانون أقصى شمال قطاع غزة، والتي انطلقت العملية البرية فيها قبل نحو 50 يوماً، شهدت الأيام الثلاثة الماضية اشتباكات ضارية، تخلّلها تفجير عدد من الآليات. ويشير هذا الفعل في منطقة تلقّت الكتلة الكبرى من التمهيد الناري الجوي، وأخرجها جيش العدو من تصنيف «منطقة عمليات ساخنة»، إلى أن خلايا المقاومة، ولا سيما التابعة لـ«كتائب القسام»، استطاعت الاستفادة من انتقال العمليات إلى مناطق أخرى، وأعادت ترميم خلاياها إلى الحد الذي أهّلها للعمل مجدّداً بأعصاب باردة، وإيقاع خسائر بشرية محقّقة في صفوف العدو.

أما المفاجأة الثانية، في الجبهات التي من المفترض أن تكون خاملة وآمنة لقوات العدو، فقدّمتها أحياء الشيخ رضوان والنصر والتوام في القاطع الغربي من شمال مدينة غزة. هناك، نفّذت المقاومة، خلال الأيام الماضية، العشرات من العمليات المدروسة بعناية، من مثل قنص الجنود والكمائن بالعبوات الناسفة الرعدية للقوات الراجلة، إلى جانب استهداف الدبابات بالقذائف المضادة للدروع. وأعلنت «كتائب القسام»، أول من أمس، قنص أربعة جنود وتفجير ثماني آليات وتفجير عبوة «رعد» في قوة راجلة، ووثّقت كل ما سبق بالصوت والصورة. وهو عين ما حصل أيضاً في منطقة جحر الديك شرق المنطقة الوسطى، والتي اتخذت منها القوات الراجلة في جيش العدو، مناطق آمنة للنوم والراحة، وبنت فيها عدة خيام ونقاط تمركز، حيث داهمها جنود «القسام» من فتحة نفق، واستطاعوا الإجهاز على عشرة جنود منها من مسافة صفر، بحسب بيان للكتائب.

الجبهات الساخنة

وفي مخيم جباليا، يمكن سماع العشرات من الشهادات التي يرويها السكان، عن معارك طاحنة لم يخضها المقاتلون فقط، وإنما شارك فيها شباب المخيم ورجاله، متصدّين للقوات الغازية التي اقتحمت، منتصف الأسبوع الماضي، حي القصاصيب خلف عيادة «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين» وسط المخيم، حيث دارت اشتباكات شرسة مع جنود القوات الخاصة. ويقدّر رجال المخيم أن أكثر من 30 جندياً قُتلوا، ويردّدون أسماء شهداء ومقاومين قادوا تلك المعركة. وإذ لم يدم الاقتحام الإسرائيلي لقلب المخيم سوى ساعات، فقد تمكّن المقاومون، عقب تراجع جنود الاحتلال إلى نقاط التمركز في أحياء مشروع بيت لاهيا والفالوجا وتل الزعتر، من تفجير عشرات الآليات. أما في حي الشجاعية، الذي فوجئ سكانه بسقوطه في يوم واحد، حينما تمكّنت الدبابات من الوصول إلى مفترق السنفور وشارعَي مشتهى وبغداد خلال ساعات، فقد طبّق المقاومون مبدأ «المرونة»، إذ مهّدت المدفعية والطائرات الحربية، ثم عبرت القوات البرية، ثم مشّطت بالسلاح الثقيل، ليبدأ بعدها العمل، والمتمثل في أكثر من خمسين اشتباكاً في كل 24 ساعة. والمنطقة التي وصفها قادة جيش الاحتلال بأنها «مرعبة»، استطاعت برفقة مخيم جباليا، القضاء على ربع قوة «غولاني» التي كان وزير الحرب، يوآف غالانت، قد أعلن أن جنودها جاؤوا إلى هناك لإغلاق حسابهم المفتوح منذ حرب 2014.

وفي جبهة جنوب القطاع، التي تشهد الزخم الأكبر من العملية الجوية والبرية، استطاعت المقاومة، خلال الأسبوعين الماضيين، تدمير المئات من الدبابات وتنفيذ العشرات من الكمائن المؤثّرة. والميزة الكبرى التي ساهمت في زخم جبهة القتال الجنوبية، هي أنها بقيت خارج الاستنزاف في الخمسين يوماً الأولى من الحرب، فضلاً عن أن الهجوم البري فيها، بدأ من المحور الشرقي الذي يحوي كلّ الخطوط الدفاعية المعدّة منذ سنوات. كل ذلك، أعطى لميدان الجنوب أفضلية الاستدامة والزخم.

في خلاصة الأمر، ساهم التمدّد الأفقي الواسع، الذي تضمّن في مرحلة ما بعد الهدنة، فتح ثلاث جبهات معروفة بشراستها (الشجاعية، جباليا وخانيونس) في تشتيت تركيز النار الآتية من سلاح الجو، وتخفيف ضغط سلاح المدفعية، على جبهات القتال السابقة (الشيخ رضوان، بيت حانون وجحر الديك). كما ساهمت جهوزية جبهات القتال الساخنة، مع مشاركة الجبهات الباردة، في زيادة مستوى الاستنزاف، ما رفع بالتالي حصيلة خسائر العدو البشرية إلى مستوى قال المتحدث باسم جيش الاحتلال: «إننا لم نرَه من قبل». ويدلّل كل ذلك على أن الوصول إلى مرحلة «صفر نار» في أيّ من جبهات القتال في غزة بعيد المنال.

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى