منبج في قبضة الجيش السوري: نحو اتفاق «سياسي» مع «قسد»
اختُتم، الأسبوع الأول من العملية العسكرية التركية في الشمال السوري ضد مناطق سيطرة «قسد». أسبوعٌ تخلّلته تطورات متسارعة، تمثلت ابتداءً بانسحاب القوات الأميركية من جزء واسع من الحدود مع تركيا، وما تلاه من تكثيف للحديث عن إمكانية انسحابها من شرقي الفرات كلياً، وصولاً إلى عبور الجيش السوري نهر الفرات نحو مناطق كانت ممنوعة عليه لسنوات، نتيجة لـ«تفاهم» بين الحكومة السورية و«قسد»، بدأت تتضح معالمه أكثر.
رسمت عملية «نبع السلام» التركية ضد مناطق الشمال السوري شكلاً جديداً من التحالفات، التي من شأنها أن تحدّد خطوطاً رئيسية للواقعين الميداني والسياسي في تلك المناطق، وفي البلاد عامة، وخصوصاً مع تزايد المؤشرات الجدية الدالة على اقتراب الانسحاب الأميركي الكامل من منطقة شرقي الفرات، وما سيتركه ذلك من تأثير على المشهدين السياسي والميداني. وبقدر ما كسبت الحكومة السورية من التطورات الأخيرة في الشمال والشمال الشرقي، إلا أنها خسرت في المقابل أراضي تؤكد مصادر عسكرية سورية أنها «ستُستعاد بالتفاهمات، أو بالقتال».
وحتى ليل الثلاثاء ، تمكنت القوات التركية وفصائل ما يسمى «الجيش الوطني» من إحداث اختراقات ميدانية واسعة، واقتربت من تطبيق المرحلة الأولى من العملية بشكل كامل، والمتمثلة بالسيطرة على 110 كلم هي المسافة الفاصلة بين رأس العين وتل أبيض، مع عمق يصل إلى الطريق الدولي الرابط بين الحسكة وحلب، والذي بات الجيش التركي وحلفاؤه يسيطرون عملياً على أجزاء واسعة منه، من أطراف عين عيسى الشرقية وحتى أطراف الأغيبش في ريف تل تمر الغربي.
وأدى الضغط الجوي والمدفعي التركي إلى السيطرة على أكثر من 60 كلم، بدءاً من مدينة تل أبيض، مروراً بقرية الطويلة، وصولاً إلى الحدود الإدارية للحسكة، مع امتداد عمق السيطرة حتى قرية العالية (30 كلم جنوبي رأس العين). في المقابل، أتمّ الجيش السوري انتشاره في عين عيسى على الطريق الدولي وحتى قرية أم ذيبان شرقيّها. ومن الجهة الغربية، تم تثبيت نقاط في عدة قرى على امتداد نهر الساجور الفاصل بين جرابلس ومنبج، وصولاً إلى بلدة السلطانية شرقي منبج.
ويؤكد مصدر كردي، لـ«الأخبار»، أن «قواتهم تبدي مقاومة في مدينة رأس العين، واستعادت السيطرة على تل حلف»، مضيفاً إنهم «يعملون على الاستفادة من التحالف مع القوات الحكومية لاستعادة كافة المناطق التي احتلها الأتراك». ويلفت إلى أن «أي تطبيق لحظر جوي روسي ــــ سوري سيعني استعادة لكامل المناطق التي تم احتلالها منذ بدء العملية»، متابعاً أن قواتهم «تلقّت وعوداً بدعم جوي وإطلاق عمليات عسكرية بالتشارك مع الجانبين السوري والروسي لاستعادة المبادرة ميدانياً».
بدوره، يفيد مصدر حكومي سوري «الأخبار» بأن «وحدات من الفرقة 17 استعادت مناطق انتشارها في الطبقة وعين عيسى، وتعمل على اللقاء بالقوات المتقدمة من منبج وعين العرب»، ويكشف المصدر أن «مطار الطبقة العسكري سيشهد وجوداً لطائرات سورية وروسية لاستعادة السيطرة الجوية على المنطقة»، مؤكداً أن «الجيش سيفرض سيادته على كامل الجغرافيا السورية، بما فيها مناطق شرقي الفرات كاملة».
من جهته، قال مبعوث الكرملين إلى سوريا، ألكسندر لافريينتيف،إنه ليس من حق تركيا أن «تنشر قواتها بشكل دائم في سوريا». وأضاف للصحافيين في أبو ظبي إنه «وفقاً لاتفاقات سابقة، فإنه بوسع الجيش التركي التوغل لمسافة تتراوح بين خمسة وعشرة كيلومترات فحسب داخل الأراضي السورية»، في إشارة إلى اتفاقية أضنة الموقّعة بين سوريا وتركيا عام 1998. وتابع لافريينتيف أن «موسكو لا توافق على العملية العسكرية التركية في سوريا».
وفي وقت انسحبت فيه قوات «التحالف الدولي» من نقطة لها في تل بيدر في ريف الحسكة الغربي، سُجّلت حركة تعزيزات نحو ريف دير الزور الشرقي، من دون معرفة الأسباب. وتقول مصادر مقربة من «مجلس دير الزور العسكري» التابع لـ«قسد» إن «الأميركيين قد يحافظون على وجودهم في قاعدتَي كونيكو والعمر في ريف دير الزور، والشدادي في الحسكة»، موضحة أن «هذا الإبقاء هدفه منع أي تمدّد إيراني باتجاه ريف دير الزور والجزيرة السورية»، ومنع الجيش السوري من استعادة سيطرته على حقول النفط هناك.
في غضون ذلك، لا يزال الغموض يلفّ طبيعة التفاهم بين «قسد» والحكومة السورية، باستثناء وثيقة تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي ممهورة بتوقيع كلّ من القائد العام لـ«قسد» وقائد «الوحدات الكردية» سيبان حمو. وتشير الوثيقة المسربة إلى أن «انتشار الجيش السوري سيكون على كامل الحدود من المالكية وحتى منبج… بالتنسيق مع المجالس المحلية»، مؤكدة «التزام قسد بالحفاظ على وحدة وسيادة أراضي البلاد تحت راية العلم السوري»، مع اعتبار «المناطق بين رأس العين وتل أبيض منطقة عمليات لحين اتخاذ القرار بتحريرها».
وتكرّر القيادات الكردية التأكيد أن التفاهم عسكري وليس سياسياً، وهو ما ترجمته «قسد» بإنزال الأعلام السورية الرسمية عن كلّ المدارس والمؤسسات التي تم رفعه عليها في شرقي الفرات بعد دخول الجيش إلى المنطقة. وفي هذا السياق، يصف مصدر سياسي كردي، في حديث إلى «الأخبار»، خطوة رفع الأعلام فوق المدارس والمؤسسات الحكومية بـ«المستعجَلة»، مبينّاً أنه «لا اتفاق تاماً مع الحكومة السورية، وإنما تفاهم عسكري لحماية مناطقنا السورية من الاحتلال التركي»، مستدركاً بأن «المباحثات السياسية ستنطلق خلال الأيام القليلة المقبلة في دمشق لإنجاز اتفاق سياسي شامل».
ويضيف المصدر الكردي إن «كل القضايا ستوضع على طاولة النقاش، لوضع النقاط على الحروف حول الشكل الذي ستدار به المنطقة»، مبدياً «تفاؤلاً بأن يصل السوريون إلى صيغة تفاهم، تؤدي إلى استقرار مستدام للسكان، يراعي الخصوصية الكردية في الشمال والشرق السوري».
في وقت أعلن فيه البيت الأبيض أن نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، سيتوجّه خلال أربع وعشرين ساعة إلى تركيا للتباحث مع المسؤولين هناك في وقف العملية التركية الدائرة في شرقي الفرات، شنّت كلّ من فرنسا وبريطانيا هجوماً على الولايات المتحدة وتركيا، متهمتَين إياهما بإضاعة مكاسب خمس سنوات من قتال تنظيم «داعش». وقال رئيس وزراء فرنسا، إدوار فيليب، أمام برلمان بلاده، إن «هذه القرارات (الأميركية والتركية) تلقي بظلال من الشك على خمسة أعوام من جهد التحالف»، مضيفاً إن «هذا التدخل مدمّر لأمننا الجماعي، في ظلّ العودة المحتومة لداعش في شمال سوريا وربما في شمال غرب العراق أيضاً». من جانبه، أدلى وزير خارجية بريطانيا، دومينيك راب، بتصريحات مشابهة، وصف فيها الهجوم التركي بأنه «طائش ونتائجه عكسية».
صحيفة الاخبار اللبنانية