منظومات صاروخيّة إسرائيليّة لحماية سد النهضة الإثيوبي
لم يصدُر أيّ رد فِعل مِصري سلبًا كانَ أو إيجابًا، تُجاه التّقرير الذي نشره موقع “ديبكا” الاستخباري الإسرائيلي وتضمّن حُدوث توتّر شديد بين القاهرة وتل أبيب على أرضيّة رفض طلب تقدّم به الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى بنيامين نِتنياهو بعدم نشر إسرائيل منظومة صواريخ حول سد النهضة، ممّا يعني أنّ هُناك نار خلف دُخان هذا التّسريب المُتعمّد، ومن موقعٍ قريبٍ جدًّا من المُؤسّسات الاستخباريّة الإسرائيليّة.
وجود علاقة استثماريّة وتقنية قويّة بين الدولة العبريّة وسد النهضة الإثيوبي باتت مُؤكّدةً، ولا تحتاج إلى إثبات، فمشروع السد كان اقتراحًا أمريكيًّا إسرائيليًّا بالدّرجة الأولى، ويتردّد بقُوّةٍ إنّ الخرائط الهندسيّة ودراسات الجدوى المُتعلّقة به، أيّ سد النهضة، كانت من وضع شركات إسرائيليّة أيضًا، فإثيوبيا كانت، وما زالت، رأس حربة الاختراق السياسي والاقتصادي والعسكري الإسرائيلي للقارّة الإفريقيّة وعلى حِساب النّفوذ المِصري المُتراجع.
وأحدث الأدلّة على العلاقة الإسرائيليّة الوثيقة بالسد المذكور، توقيع شركة إسرائيليّة عُقودًا لتوزيع كهربائه التي سيُولّدها إلى كُل من كينيا وجنوب السودان، والاتّصالات جارية للوصول إلى اتّفاقاتٍ مُماثلةٍ مع دول أُخرى في حوض النيل.
إسرائيل، وبينما كانت تنشغل مِصر بقضاياها الداخليّة، على حِساب مصالحها الاستراتيجيّة في فنائِها الخارجي الأفريقي، فرضت طوقًا خانقًا على مِصر، وإمداداتها من مياه النيل التي تحصُل على نصيب الأسد منها (56 مليار متر مكعّب سنويًّا، مُقابل 18 مِليار للسودان) أيّ الغالبيّة العُظمى من الكميّة التي تُقدّر بحواليّ 1660 مِليار سنويًّا، أمّا الباقي من المياه فهي حجم التبخّر السنوي، ولهذا ركّزت دولة الاحتلال على إثيوبيا التي تُمثّل من خلال النيل الأزرق 85 بالمِئة من مياه النيل، ووقفت خلف التّحريض على إنشاء سد النهضة للتحكّم بمصادر المياه تحت عُنوان توليد الكهرباء، وفي الإطار نفسه قدّمت إسرائيل دراسات إلى كُل من رواندا والكونغو لإقامة ثلاثة سُدود لإحكام السيطرة على مِياه البحيرات العُظمى التي ترفد النّيل بحواليّ 15 بالمِئة من مصادر مياه.
ربّما يعود الصّمت الرسميّ تُجاه هذه التّقارير الإخباريّة إلى تجنّب مِصر تفجير أزَمَة مع الدولة العبريّة بالنّظر إلى الحرب التي تخوضها قوّاتها في سيناء، وتعتمد بطريقةٍ أو بأخرى على التّعاون الأمنيّ والعسكريّ الإسرائيليّ في هذه الحرب، ولكن هذا لا يعني أنّ الإسرائيليين سيوقفون خُططهم لتطويق مِصر وخنقها رُغم إشادتهم المُتكرّرة بعلاقاتهم الوثيقة مع الرئيس عبد الفتاح السيسي والحُكومة المِصريّة، فإسرائيل ما زالت تعتبر مِصر الخطر الوجودي الأكبر الذي يُهدّدها، خاصّةً أنّ الشعب المِصري يرفُض بقُوّةٍ كُل أشكال التّطبيع، ويرى في إسرائيل عدوًّا أبديًّا.
نختم بالقول إنّ منظومات الصواريخ الإسرائيليّة فشِلت في حماية تل أبيب من صواريخ المُقاومة سواءً التي تُطلقها المُقاومة اللبنانيّة من الشّمال، أو المُقاومة الفِلسطينيّة من الجنوب، ولا نتوقّع لها أن تنجَح في حِماية سد النهضة الإثيوبي في حال تصاعُد التوتّر بين إثيوبيا ومِصر وتحوّل إلى مُواجهةٍ عسكريّةٍ، رُغم استبعادنا لهذه المُواجهة في المُستقبل المنظور.
إسرائيل تصطاد في المِياه المِصريّة العَكِرة، وتكشِف من خلال إقامة شبكة الصواريخ هذه حول سد النهضة عن نواياها الحقيقيّة تُجاه مِصر، وهذه رسالة إلى الرئيس السيسي ومُؤسّسته العسكريّة، ونأمَل أن يتم فهمها جيّدًا.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية