مكاشفات

من الدولة الأمنية إلى المجتمع المدني.. دور القوى المدنية وتمكين المرأة

د. محمد الحوراني

لعلّ من أصعب ما تواجهه سوريا في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخها هو الانتقال من عقلية التسلّط الأمني والتفرّد بالسلطة، إلى الانفتاح المجتمعي والسياسي، وهو انفتاح يجب أن تنهض به بشكل أساسي القوى السياسية والثقافية وقوى المجتمع المدني، هذه القوى التي كانت عاجزة أو مغيّبة لفترة طويلة امتدت إلى أكثر من نصف قرن، ومع هذا فإن بعض هذه القوى ظهرَ بقوة عقب انهيار نظام الحكم في سوريا، ما يعني إمكانيّة قيامها بدور إيجابي وفاعل في مرحلة التحوّل والتأسيس لدولة القانون والمؤسسات في سوريا الجديدة،  فضلاً عن الدور الكبير الذي يمكن أن تقوم به لمعالجة الخلل في النسيج الاجتماعي وتعزيز قيم التعاون والتسامح بين المكوّنات السورية المختلفة، لا بل إن الكوارث السياسية والطبيعية التي ضربت سورية في السنوات الأخيرة  ومنها الزلزال المدمّر في شباط 2023م، أثبتت أنّ هذه القوى قادرة على القيام بدور كبير وحيوي في إعادة الإعمار وتقديم الخدمات الأساسية للمناطق المنكوبة أو المدمّرة، من خلال الخبرة الكبيرة التي اكتسبتها في المجال الإغاثي والتنموي، وهو ما يعني قدرتها على المساهمة الفاعلة في إعادة البناء، إلى جانب ما تقدّمه المؤسّسات والنخب الثقافية من مساهمات في بناء العقول وإعادة تشكيل الوعي القادر على تمكين الشباب السوري من المساهمة في رسم مستقبل بلاده بعد توفير البيئة المناسبة له وضمان حرّية العمل وتوفير الحماية له، كما أنّ تمكين المرأة من ممارسة دورها الحيويّ والفاعل في بناء المجتمع من خلال تحقيق العدالة والمساواة الاجتماعية، يبقى ركيزة أساسية في أي مشروع ديمقراطي وتنموي حقيقي. فقد كانت المرأة السورية دائمًا رائدة في بناء المجتمع، من خلال تأسيس المنتديات الثقافية والتعليمية، وكانت سوريا من أوائل الدول العربية في هذا المجال. فالمرأة السوريّة لعبت دوراً أساسيّاً وفاعلاً في تماسك المجتمع السوري وتحصينه عبر تاريخ البلاد السابق واللّاحق والحاليّ، وكانت رائدةً في إقامة المنتديات الثقافيةّ والتعليميّة التي كانت سوريا السبّاقة بين الدول العربيّة بتشكيلها.

أيضاً من المهمّ تمكين المرأة السوريّة اقتصادياً لتكون شريكةً في بناء الدولة السورية الجديدة من خلال مساهمتها للنهوض بالمشروعات النسائية الصغيرة والمتوسطة وكذلك من خلال إعادة بناء المنظومة الثقافية والتعليمية والإعلامية في سوريا، وهي منظومة لا يمكن أن تتحقّق إلا عبرَ إطلاق الطاقات الكامنة لكلا الجنسين، الذي غدا بحاجة ماسّة لصياغة رؤية وطنية شاملة تصون السلم المجتمعيّ وتخلّصه من الانقسامات ومشاعر الحقد والكراهية التي تمدّ ظلالها على شطرٍ منه نتيجة الممارسات والسلوكيات الخاطئة والقاتلة التي ضربت عميقاً في جذور هذا المجتمع وبنيانه، وتفتح الأفق نحو دولة حديثة ومجتمع متماسك.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى