من الذي يسبب حقاً المشاكل للغرب

انتهت الجولة الأخيرة من محادثات جينيف المتعلقة بسوريه في مأزق، وذلك بسبب الموقف المتصلب للمعارضة السورية، فالمعارضة المدعومة والمسيرة من قبل السعودية وتركيا والولايات المتحدة وعدد من اللاعبين الغربيين، ترى أن الرئيس السوري المنتخب بشار الأسد يجب أن يرحل بغض النظر عن أي شيء، بينما لا يسمح لأي من مؤيديه المشاركة في حكومة انتقالية مستقبلية. وهذه المطالب أعلنت في جينيف من قبل رئيس مجلس المفاوضات الأعلى.

ولكن، حتى أكثر مراقبي الصراع السوري حيادية خلال السنوات الأخيرة سيندهشون من الموقف العدائي الذي تتخذه واشنطن وشركاؤها ضد الحكومة في دمشق في مسعى لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بشكل يضمن سيطرة كاملة على المنطقة من قبل الولايات المتحدة الأميركية. وبالتأكيد، القضية الأساسية في المفاوضات السورية هي مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد، مع عدم قبول واشنطن بأن يكون لسوريه حاكم ذو سيادة ويملك علاقات قوية مع روسيا وإيران. ولكن، كل محاولة لإبعاد القائد السوري عن السلطة، في انتهاك مباشر لكل من الدستور السوري وبنود القانون الدولي، قد فشلت حتى الآن.

و لو تم تطبيق منطق واشنطن على الغرب عندها يمكن تبرير إسقاط رئيس الولايات المتحدة باراك اوباما و رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون و عدد من القادة الغربيين الآخرين و ذلك ببساطة بسبب تعبير دول كثيرة عن الاستياء نحوهم. وعلاوة على ذلك، وبما أن هؤلاء السياسيين يتحملون إثم الشرور حول العالم مثل العراق وأفغانستان وليبيا وسوريه، أليس من العدل لو تمت محاسبتهم؟ وإذا لم تتم محاسبتهم فمن ذا الذي سيحاسب على الجوع المر والفقر الذي ابتلي به سكان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في أعقاب الصراعات المستمرة خلال العقد الماضي جراء العدوان الأجنبي، ومن يتحمل مسؤولية أرواح بائسة لا تعد ولا تحصى أجبرت على الهجرة من أجل البقاء نتيجة الأفعال غير المسؤولة للسياسيين الغربيين المذكورين أعلاه؟

وهناك سؤال آخر تتوجب الإجابة عليه وهو: هل الأسد هو السياسي الذي يسبب المشاكل في المنطقة؟ ألم يقم الرئيس التركي بسجن الآلاف من الإعلاميين والمعارضين السياسيين تحت ذرائع متنوعة غير عادلة؟ ألا يستحق موقفا قاسيا من قبل الغرب إلى جانب المطالبة برحيله من السلطة؟

و هذا الأمر تمت الإشارة إليه في مقابلة أجرتها Atlantico مع المحاضر الفرنسي و الدبلوماسي و العضو السابق في عدد من المجالس الوزارية رولاند هوروكس ، إذ قال بأن بشار الأسد خلق للغرب مشاكل أقل بكثير من تلك التي قام بها أردوغان. وأشار إلى أن السلطات في دمشق كانت تعترف وتحترم دائما حقوق الأقليات الدينية في سوريه. وأضاف الدبلوماسي الفرنسي أنه بعد انسحاب القوات السورية من لبنان، لم يظهر الأسد أية نوايا بخلق إمبراطورية، بينما لم يبذل أردوغان أدنى جهد من أجل إخفاء طموحاته الإمبراطورية. و أكد هوروكس بأن الأسد لم يكن أبدا مسببا للمشاكل وفقا لرؤية الغرب، و مع ذلك خلق الغرب الكثير من المشاكل للأسد و الدولة السورية.

وبدورها قالت صحيفة The Guardian عن تركيا:

“إنها تشن حرباً على أقلية عرقية، وقامت شرطتها باقتحام مكاتب صحيفة رئيسية، وتواجه الخدمات السرية تهمة تسليح داعش، وقام جيشها بإسقاط قاذفة قنابل روسية. ومع ذلك تريد تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إن الانحدار السريع لهذا البلد نحو الطغيان يشكل مشكلة وجودية أخرى لدى الغرب. إن مشهد القادة الأوربيين وهم يتملقون للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على أمل قيامه بقطع تيار اللاجئين إلى اليونان، كان مثيرا للاشمئزاز. وبعد أن سمحت المحاكم التركية للشرطة باقتحام صحيفة الزمان وإلقاء القنابل المسيلة للدموع على موظفيها وطرد المحررين، قام المدراء الجدد على الفور بوضع صورة مبتسمة لأردوغان على الصفحة الأولى، إنه يملك الكثير مما يستدعي الابتسام”.

وتنحدر تركيا بسرعة إلى الحكم الاستبدادي، ما يعتبر مشكلة جدية للغرب وسياساته، وتسربت وثائق إلى موقع يوناني خلال الشهر الماضي تظهر بوضوح أن أردوغان هدد بشكل صريح أوروبا بطوفان هائج من اللاجئين إذا لم يستلم مبلغا مذهلا “كإنقاذ من مأزق مالي” إلى جانب قبول سريع لأنقره في الاتحاد الأوروبي.

وشجبت صحيفة بريطانية أخرى وهي The Independent أعمال أردوغان بالقول:

“أضحت تركيا دولة مارقة وحتى أردوغان يجب أن يواجه الحقيقة، حقيقة أن تركيا، إلى جانب السعودية وقطر، قد وفرت دعما لوجستيا وماليا وأسلحة وخدمات أخرى لداعش وجبهة النصرة ومتمردين آخرين يدعمون هذه الرؤية. وبشكل لافت للنظر اعترف رئيس الوزراء داوود أوغلو بأن قوات المعارضة السورية ما كانت لتستطيع الصمود في وجه نظام الأسد لولا دعم تركيا ودول أخرى”.

وكل هذا أدى إلى وضع لم يعد فيه أي من حلفاء تركيا يراها كمصدر قوة بل عائق. وتصرفات أنقره تجاه شعبها قاسية وغير مسؤولة، مع إطلاق أردوغان العنان لإبادة حقيقية بحق الشعب الكردي في تركيا، وأضحت تركيا نقطة عبور لنهر من المقاتلين الذاهبين من وإلى سورية. وبنفس الوقت، ووفقا لبعض المصادر، سمحت أنقره للمقاتلين بتهريب أسلحة كيماوية، مثل غاز الخردل، عبر أراضيها. ومرارا وتكرارا أكدت منظمة مراقبة حقوق الإنسان حالات قامت فيها وحدات من الجيش التركي بإطلاق النيران على اللاجئين المحاولين عبور الحدود التركية على أمل الهروب من عنف داعش، والقائمة لا تنتهي.

وفي كل الأحوال، ليست هذه المرة الأولى التي يدعم فيها العالم الغربي الجانب الخطأ. إدراك عدوك يحتاج مهارات سياسية يفتقدها القادة الغربيون، ومع ذلك، أخطاء كهذه هي دائما الأكثر كلفة، ما يعني أن الأوربيين يحتاجون امتلاك الشجاعة لمعارضة تصرفات طيب أردوغان، عوضا عن ملاحقة الأسد بشكل أعمى، وبالطبع هذا يتطلب أن تظهر أوروبا بعض الاستقلال الحقيقي عن إرادة واشنطن، ولكن مع التحضير لمواجهة عواقب خطيرة. ويبدو أن الرئيس التركي أضحى الاختبار الحقيقي لإرادة بعض السياسيين الأوربيين في وضع مصالح شعوبهم في المقدمة عوضا عن التضحية بها لصالح أوامر واشنطن…

مجلة New Eastern Outlook الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى