أحوال الدنيا

من جورج إلى المجندات الأربع: قوة الرحمة وتفاهة التعسف!

د. فؤاد شربجي

ألح علي جورج بيت أهلي لأدقق في مقطع فيديو للمجندات الإسرائيليات الأربع اللواتي أطلقتهن حماس من الأسر السبت ضمن صفقة تبادل مع الكيان المحتل. وفي التدقيق كانت الأسيرات يشكرن شباب القسام الذين كانوا يحجزوهن. وبالحرف قالت الأولى (شكرا لشباب القسام على المعاملة الكويسة). وقالت الثانية (شكرا للأكل والشرب والملابس). والثالثة قالت (شكرا للشباب اللي كانوا يحافظوا علينا وديروا بالن علينا من القصف). والرابعة أكملت (وأن شاء الله يكونوا بيوم سعيد وبخير). وماذا ذكرته الأسيرات عن معاملة شباب القسام الجيدة والإنسانية والرحيمة لهن بالأسر هو ما خلق إلحاح جورج علي لأنه كان يحمل هذه المعاني في محوره الدرامي في نص مسلسل بيت أهلي. ولأنه كان تعبيرا عن قوة الرحمة في الروح العربية الإسلامية تجاه الجريح أو الاسير مهما كان فعله السابق عدوانيا. إنها الروح العربية الإسلامية الإنسانية والحضارية التي تحارب بفروسية أحد أهم مكوناتها الرحمة الحقيقية الاصيلة (وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين).

‏يبدو أن كتابتي الأسبوع الماضي عما فعله الإخراج من تضيع لمعانٍ كثيرة من نص مسلسل بيت أهلي

هو ما جعلني مسكونا بأجوائه ومعانيه وشخصياته ومنها جورج، وهو جندي فرنسي حاول الاعتداء على طفلة في بستان قريب من الحارة. لكن زعيم الحارة المتواجد قرب البستان أنقذ الطفلة بضرب جورج على رأسه عدة مرات أدت إلى إصابته بعاهة عصبية جعلته غير قادر على النطق، ومصاب بأضرار عصبية كبيرة وكثيرة. المشاهد يتعرف على جورج كعسكري فرنسي مصاب ومريض تحضره دورية فرنسية إلى الحارة، لأنه ومنذ أن أصيب قبل سنوات طويلة لا يسكن ولا تهدأ نوباته العصبية إلا في الحارة. ومع (برو العلاك) الذي يعتني به ويصاحبه ويسليه ويهدئه مقابل بعض المال. برو وشيئا فشيئا ومع مرور الوقت يحب جورج، كما أن أهل الحارة ظلوا يعاملونه بلطف لأنه مصاب ومسكين وهم لا يعرفون أين وكيف أصيب خاصة وأن زعيم الحارة غائب منذ سنوات وان الفتاة تخشى البوح بما حصل كي لا تحاسب على ما جرى لجورج الذي ظل دائما يبحث بعيونه عن شيء. عن أمر ما. عن شخص ما. في النهاية عندما تقف أمامه الطفلة التي حاول الاعتداء عليها وقد أصبحت الأن صبية يصعق عندما يراها. فيتفجر أحساسه وإنفعاله وتوتره لملاقاة من كان يبحث عنها. وينفجر دماغه متأثرا وهو يحاول أن يعتذر لها ولا يستطيع بسبب إعاقته العصبية. محور جورج العسكري الفرنسي المحتل، الذي حاول اغتصاب طفلة، يزيد من إحساسه بالذنب معاملة أهل الحارة له وإحساسه بعطفهم وشعوره برحمتهم وأصالتهم. كل ذلك مع عجزه عن الاعتذار يجعله ينفجر ويموت، ويحزن ( برو)عليه حزناً شديدا كأنه أخيه. ويتأثر أهل الحارة بما جرى له دون أن يعرفوا حقيقته وحقيقة ما فعل.

‏جورج ألح علي لأتابع الأسيرات وفي قلبه حرقة مما فعله الإخراج بمحوره الدرامي. فبدلا من اختيار ممثل يشبه الفرنسيين كما كنا متفقين. قام الإخراج بأسناده إلى كومبارس أسود. بزعم أن الفرنسيين كانوا يحضرون جنودا سنغال معهم. ناسيا أن جورج ابن جنرال فرنسي كبير. ولأن من أدى الدور مجرد كومبارس لا يعرف التمثيل ولا يتقنه فكيف له أن يؤدي شخصية مركبة يقوم أداؤها على التعبير بالوجه المصاب دون أي حوار. وبسبب محدودية قدرة الكومبارس على الأداء، وللإمعان بالاعتداء على جورج، قام الإخراج بحذف الكثير من مشاهده. ومع تضييع جورج ضيع مقابله الأنثوي الصبية التي حاول الاعتداء عليها عندما كانت طفلة. ورغم أن الإنتاج وفر له ممثلة نجمة للدور هي ولاء عزام، فإن الإخراج ضيعها وضيع المكتوب لها بالحذف المتعسف وبعدم العناية بها بما تستحقه. وضيع على نفسه وعلى الإنتاج وعلى العمل الاستفادة من إمكانياتها التمثيلة المبدعة. طبعا أرتكب كل ذلك دون موافقتي كمؤلف، بل ومن ورائي وفي غيابي، وهذا ليس نقضا لما عاهدني عليه فحسب بل فيه خيانة للأمانة بحق النص وغدر بمعانيه أيضا. وفوق كل ذلك هو ليس من أعمال الإخراج بل هو أقرب إلى الإجرام بحق قيم التأليف وحقوقه. وفي هدره لإمكانيات جورج المرسومة وهدره لإمكانيات الممثلة النجمة المقابلة ضيع الإخراج الكثير من معاني هذا المحور الدرامي. ضيع شحنة الرحمة في المجتمع الشامي. رحمة المصاب والمعاق. ضيع معنى جورج بسبب استهتار الإخراج وقصوره، ونقص من (بيت أهلي) أساس من اساساته.

‏معاملة شباب القسام مع الأسيرات المجندات حسب شهادتهن، مثل معاملة برو وأهل الحارة لجورج المصاب، ولكن الفرق أن معاملة شباب القسام حظيت بإعلام احترمها وقدرها وأبرزها. بينما معاملة أهل الحارة في (بيت أهلي) لجورج ابتليت بمن لم يفهمها ولم يقدرها ولم يحترمها فضيعها وضيع معانيها وشحناتها بقصوره وتعسفه. والق كل الحق مع جورج ليحتج ويطالب بحقه، من قال أن الشخصية الفنية الأدبية غير مدرجة ضمن حقوق الإنسان الإبداعية؟؟!!!

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى