افتتاحية الموقع

من غزة إلى أوكرانيا: “نشيد جيوسياسي” يحل محل النظام العالمي!

‏ د. فؤاد شربجي

في الأسابيع الماضية مل ترامب من تلاعب بوتين به وطفح غيظه من مماطلته في تحقيق السلام مع أوكرانيا فصعد معه واعدا كييف بإعطائها صواريخ توماهوك الخطيرة مع السماح لها باستهداف العمق الروسي كعقاب لبوتين. وبالتوازي ألتفت ترامب إلى الشرق الأوسط كتعويض عن أوكرانيا وأنجز مع العرب والمسلمين “خطة سلام” في غزة. حررت الرهائن أحياء وأموات، ورسم لـ “اليوم التالي” في غزة “مجلس سلام” ليكون وصيا دوليا في حكمها. وتابع ترامب الكنيست المزدحم يرقص ويغني له. كما فرح بحشد زعماء العالم في شرم الشيخ في “عرض تمجيد” ببطولته وعبقريته كـ (صانع سلام) فريد في التاريخ. وبذلك كرس الرئيس ترامب هوايته الجديدة إضافة لهوايته القديمة في الربح في لعبة الغولف مع اًصحابه. وهي “لعبة صانع السلام” الفريد الوحيد القادر. وبوتين طبعا يراقب ويفهم ويتحسس ويضمر ردا.

‏لم يستطيع بوتين تجاهل كل ذلك، خاصة قصة التوماهوك لأوكرانيا، فألتقط الهاتف واتصل بترامب. ولساعتين عبر السماعة أجرى بوتين مساجا عميقا لـ (أنا) ترامب المتضخمة من شرم الشيخ والكنيست. وأعتمد بوتين في مساجه لـ (أنا) ترامب المدح والتعظيم لإنجازه في غزة. وبذلك أنضم بوتين لزعماء العالم الذين وقفوا وراء ترامب في شرم الشيخ. ليتفق معه في نهاية المكالمة-المساج على لقاء قريب يجمعهما للبحث في إنهاء الحرب في أوكرانيا وتحقيق سلام فيها. طبعا فرح ترامب بالاتصال. وجاء مساج بوتين لأناه كـ (الحك على جرب) أسعده وريحه، فوعده باللقاء الذي طلبه. وخرج ليعلن أن “بوتين يريد السلام”. وأنه سيجتمع معه في المجر قريبا. والأهم أن ترامب تراجع عن تزويد أوكرانيا بصواريخ التوماهوك بحجة أنه لا يجوز أن يفرغ المخازن الاستراتيجية الأمريكية من هذا السلاح الخطير وضروري لأمن أمريكا القومي. بوتين قرأ استعراض شرم الشيخ وحفلة الزار في الكنيست. قرأهما جيدا ورتب حديثا مؤثرا ترامب. واتصل به ليستثمر في هواسه بهواية “صناعة السلام” وبذلك عطل عملية حصول أوكرانيا على صواريخ التوماهوك وألغى خطرها على بلاده. وأشغل الرئيس الأمريكي بوعد يحتاج إلى جدال كثير ومفاوضات متطاولة. وجعل ترامب يصب كل اهتمامه الآن حول لقائه في المجر. وفي عمله القادم لتحقيق السلام المأمول في أوكرانيا.

‏رغم أن بوتين كان شريكاُ في إنجاح خطة غزة بشكل ما، أضافة الى أنه استقبل الرئيس الانتقالي لسوريا أحمد الشرع ليعود فاعلا في سورية. وها هو بعودته لتفعيل قواته في الساحل السوري بما يرسخ الأمن والاستقرار في هذه المنطقة المتوترة. علاوة على انه بتواجده يبعد تركيا عن سواحل شرق المتوسط. وكلها أهداف أمريكية وإسرائيلية مطلوبة. إضافة إلى فعالية مرتقبة من الدوريات الروسية لضبط الجنوب السوري. بما يحد من الشطط الإسرائيلي في التمدد والسيطرة. رغم ضلوع بوتين وشراكته في كل ذلك. إلا أنه في اتصاله مع ترامب داوى وأرضى كبرياء وعنجهية ترامب. وامتدح كل ما يجري في العالم على يديه. على مبدأ (انفشه وشوف ما يفعله). وبالفعل استطاع بوتين تحقيق خطوة مهمة في موضوع التوماهوك وفي تعطيل انخراط أمريكا في استهداف العمق الروسي عبر أوكرانيا.

‏ليس من باب المزاح أن نسأل،هل انشغال ترامب بلقاء بوتين وبالعمل لتحقيق السلام في أوكرانيا سيلهيه عن استكمال تنفيذ خطة السلام في غزة؟؟ وهل سيكتفي ترامب بما ناله من خطة غزة باستعراض شرم الشيخ وحفلة الكنيست؟؟ وهل ستستغل حماس ملل ترامب وانشغاله في أوكرانيا لتبقى في القطاع؟؟ وهل ستشكل أوكرانيا ولقاء ترامب ببوتين طبقا أشهى من طبق سلام غزة؟؟ وهل ملله من الشرق الأوسط وشهيته لتحقيق السلام بأوكرانيا ستدفع ترامب إلى ترك أمور غزة لإسرائيل لتحلها كما تريد؟؟؟ أم أنه سيلجأ إلى استراتيجية الملولين في (فض المجالس) بأن يطلب من نتنياهو الاقتناع بترك حماس في غزة لتضرب أهلها وتضبط شعبها على قاعدة استثمار واستخدام الإرهاب (هو يصف حماس بالإرهاب) في خدمة سياسات إسرائيل. خاصة وأن الحركة المقاومة أعلنت انها اذا بقيت في غزة “تضمن ألا يشكل القطاع أي تهديد لإسرائيل” وتعهدت بأنها ستنفذ ما أراده ترامب من وراء خطته؟؟

‏هي مرحلة جديدة في العالم أساسها الجيوسياسي هواية ترامب في صناعة السلام. وهاهو بوتين مع عودته لسوريا ومع دوره في شرق المتوسط خاصة والشرق الأوسط عامة ينضم إلى قادة العالم في تمجيد ترامب المختصر في النشيد العالمي الجديد (أنت الوحيد الأوحد. والقادر المقتدر. والمتمكن الفاعل في السلام. يا صانع السلام الفريد المتفرد. يا ترامب). فهل يتحقق السلام فعلا أم نكتفي بالاحتفال والاستعراض والنشيد؟؟

‏قادة العالم الثالث كانوا يجمعون الجماهير الشعبية للهتاف لهم ولترديد الأناشيد ببطولاتهم. بينما ترامب يجمع قادة العالم لا الجماهير ليقوموا بهذه المهمة وليهتفوا وينشدوا له. وهذا إنجاز جديد له وللسياسة الأميركية في عهده!

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى