تحليلات سياسيةسلايد

من فتح أبواب الجحيم إلى الجلوس معها على طاولة التفاوض.. كيف قرأ الإسرائيليون مفاوضات إدارة ترامب مع حماس

أثارت مفاوضات إدارة ترامب مع حماس غضباً في إسرائيل، لا سيما أنها جاءت مع محاولات تل أبيب عدم الالتزام بالمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، والسعي الأمريكي لإتمام الصفقة.

 

وبدلاً من فتح أبواب الجحيم على حركة حماس في قطاع غزة، قامت إدارة ترامب، عبر مبعوثها لشؤون الرهائن آدم بوهلر، بخطوة صدمت الإسرائيليين الذين يعتقدون أنهم حصلوا على ضوء أخضر من الرئيس الأمريكي بشأن غزة بعد زيارة نتنياهو إلى البيت الأبيض.

ووفقاً لموقع “أكسيوس” الأمريكي، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفض الدخول في معركة علنية مع ترامب بشأن المحادثات الأمريكية مع حركة حماس، لكن المسؤولين الإسرائيليين عبروا في الجلسات الخاصة عن غضبهم من هذه المحادثات.

كما أجرى وزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، مكالمة هاتفية متوترة مع بوهلر عندما علمت إسرائيل بالمحادثات المباشرة بين إدارة ترامب وحركة حماس.

فيما لم يستبعد بوهلر، في مقابلة على شبكة “سي إن إن” الأمريكية، المزيد من اللقاءات مع حركة حماس.

وأثارت تصريحات بوهلر، ووصفه عناصر حركة حماس بـ”اللطفاء” قبل تراجعه، وأن أمريكا ليست وكيلة لإسرائيل، صدمة لدى الإسرائيليين.

حيث قال بوهلر: “أتفهم غضب الإسرائيليين، لكن الولايات المتحدة ليست عميلة لإسرائيل، ولديها مصالحها الخاصة”.

هل ترامب على علم باللقاء بين مبعوثه وحركة حماس؟

ذكر موقع “أكسيوس” أن ديرمر، المقرب من نتنياهو، قال خلال اجتماع مجلس الوزراء الأمني إن محادثات المبعوث الأمريكي بوهلر مع حركة حماس لا تمثل موقف إدارة ترامب.

لكن المبعوث الأمريكي لشؤون الرهائن أكد أن اللقاء مع حركة حماس وافق عليه ترامب، وهذا ما أكدته السكرتيرة الصحفية في البيت الأبيض، كارولين ليفات، لموقع “أكسيوس”، حيث قالت إن الرئيس الأمريكي يدعم بالكامل المحادثات التي أجراها مبعوثه مع الحركة الفلسطينية.

ولتخفيف التوتر مع الإسرائيليين، قال وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، للصحفيين أمس الاثنين، إن “المحادثات مع حماس كانت لمرة واحدة، ولم تؤتِ ثمارها”، مشدداً على أن القناة الأساسية للمفاوضات بشأن وقف إطلاق النار في غزة يقودها المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف.

وأضاف روبيو: “كانت تلك حالة فريدة من نوعها، حيث أتيحت لمبعوثنا الخاص لشؤون الرهائن، الذي تتمثل وظيفته في إطلاق سراح الناس، فرصة التحدث مباشرة مع شخص لديه سيطرة على هؤلاء الأشخاص، وتم منحه الإذن وتشجيعه على القيام بذلك”.

وتابع روبيو: “حتى الآن، لم تؤتِ ثمارها. هذا لا يعني أنه كان مخطئاً في المحاولة”.

لماذا لم يهاجم نتنياهو مفاوضات إدارة ترامب مع حماس علناً؟

تقول صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية إن نتنياهو لا يملك ترف الخلاف مع إدارة ترامب، مشيرة إلى أن ذلك يهدد العلاقة مع المورد الرئيسي للأسلحة في إسرائيل.

كما قال المسؤولون إن الخلاف مع ترامب يعني عدم قدرة نتنياهو على الحفاظ على ائتلافه الحاكم.

فيما قالت القناة 12 العبرية إن حكومة نتنياهو اختارت اعتماد نهج “الراعي” كاستراتيجية، فلم تعد هناك أي سياسة مستقلة أو دبلوماسية، إذ تنتظر حديث ترامب أو تعليمات مبعوثه ويتكوف.

لماذا فتح ترامب قناة خلفية مع حماس؟

يقول المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هارئيل، إن اتخاذ ترامب هذه الخطوة يشير إلى حقيقة مفادها أنه “محبط للغاية” من المحادثات التي لا تنتهي أبداً بشأن صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة.

وأضاف أن إدارة ترامب، لهذا السبب، اتخذت الأمور على عاتقها وقررت الدفع من خلال قناة خلفية مع حركة حماس.

وبينما تستعد إسرائيل وحماس لعودة محتملة للحرب، قال هارئيل إنه يبدو أن “غريزة ترامب هي التوصل إلى اتفاق، وليس حرباً أخرى”.

أما محلل الشؤون الإسرائيلية الأمريكية في صحيفة “هآرتس”، أمير تيبون، فأوضح أنه كان من المفترض أن يتم التفاوض على المرحلة الثانية أثناء المرحلة الأولى، لكن نتنياهو رفض بدء المحادثات مع حماس، واختار بدلاً من ذلك إضاعة الوقت.

وأكد أن إسرائيل كانت تنتهك شروط الاتفاق منذ ما يقرب من شهر الآن، برفضها التفاوض بشأن المرحلة التالية من الصفقة.

وأضاف أن إدارة ترامب، في الوقت الحالي، ملتزمة بالفعل بإنقاذ الأسرى الإسرائيليين، وقد اتضح هذا في الاجتماع الأخير لترامب مع ستة من الأسرى المفرج عنهم، الذين سافروا إلى واشنطن لأنهم لا يثقون في حكومتهم، ولديهم ثقة بالرئيس الأمريكي.

وشدد على أنه إذا لم تكن إسرائيل مستعدة للتوقيع، فلن يكون هناك خيار أمام الولايات المتحدة سوى تجربة طرق أخرى غير تقليدية لإنقاذ الأسرى الإسرائيليين.

أما الكاتب تسفي باريل، فرأى أن الولايات المتحدة تهدف إلى إيجاد حل دائم لقطاع غزة، وأن خطة استئناف القتال في غزة تحوّل إسرائيل إلى قوة احتلال دائمة، ما يعرضها لانتقادات المجتمع الدولي، كما يعرض الولايات المتحدة لضغوط دولية وعربية بحكم كونها القوة العظمى التي ترعى أنشطة الجيش الإسرائيلي.

فيما تقول صحيفة “يديعوت أحرونوت” إن ترامب سئم من حروب الاستنزاف، بما في ذلك الحرب بين إسرائيل وحماس، مشيرة إلى أنه قرر الانسحاب من أفغانستان، بعدما تشكلت لديه قناعة بأن سنوات أخرى من التورط في المستنقع الأفغاني لن تحسّن الأوضاع.

وتساءلت الصحيفة: “إذا تفاوض ترامب مع طالبان، فلماذا لا يفكر في التعامل مع حماس؟”، مشيرة إلى أنه يمنح إسرائيل حرية التصرف، ولكن فقط لتحقيق الهدف، والهدف هنا ليس خوض حرب استنزاف أخرى من شأنها أن تكلف الولايات المتحدة مليارات الدولارات، بل إنهاء الصراع.

أين تكمن المخاوف الإسرائيلية من مفاوضات إدارة ترامب مع حماس؟

أولاً: تقليل الضغط على حماس

ومع تعثر مفاوضات وقف إطلاق النار، رسمت إسرائيل مساراً لزيادة الضغط على حركة حماس تدريجياً، إلى حد عودة القتال في قطاع غزة. وتقول صحيفة “وول ستريت جورنال” إن المسؤولين الإسرائيليين صرّحوا بأن هذه الخطوة أضعفت قدرة إسرائيل على التفاوض.

ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مايكل أورين، السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن، أن محادثات بوهلر مع حماس “تسمح للحركة بالاحتفال بدق إسفين بين الولايات المتحدة وإسرائيل”.

ويقول الكاتب تسفي باريل، في مقال على “هآرتس”، إن الحوار مع حماس من شأنه أن يعزز قوتها، ويكسبها اعترافاً أمريكياً ودولياً.

ثانياً: فقدان سيطرة إسرائيل على المفاوضات

وتقول القناة 12 العبرية إن المفاوضات تحولت من لعبة تسيطر عليها إسرائيل إلى تحرك أمريكي مباشر، يمنح حماس إنجازات استراتيجية.

وعندما تبنى ويتكوف خطة نتنياهو لتمديد المرحلة الأولى، كان من الواضح بالفعل أن الوضع السياسي الداخلي لرئيس الوزراء الإسرائيلي كان ضعيفاً للغاية لاتخاذ قرار حاسم بشأن وقف إطلاق النار الدائم.

وأشارت إلى أنه، ظاهرياً، تحدث ويتكوف عن تمديد المرحلة الأولى، ولكن ما جرى في الغرف الخاصة في المفاوضات المباشرة بين حماس والإدارة الأمريكية، من دون علم إسرائيل، كان في الواقع المرحلة الثانية، ومن المرجح أن تكون النتيجة مزيجاً من وقف إطلاق النار لفترة طويلة للغاية، والحفاظ على محيط القطاع في أيدي الإسرائيليين.

وترى القناة الإسرائيلية أن إسرائيل لم تفقد السيطرة على المفاوضات فحسب، بل فقدت أيضاً استقلالها السياسي وتأثيرها على نتائج الحرب.

وإذا تم بالفعل التوصل إلى اتفاق تلتزم فيه إسرائيل، فإن تل أبيب ستقع في فخ سياسي، وهو بقاء حركة حماس، التي ستبدأ في إعادة بناء نفسها.

كما ينجم عن ذلك أن حماس ستصبح لاعباً شرعياً، وتتواصل مباشرة مع الولايات المتحدة، وهذا بالفعل انتصار استراتيجي لصالحها، بحسب القناة العبرية.

ثالثاً: الابتعاد الأمريكي عن إسرائيل

فيما كتبت صحيفة “ذا تايمز أوف إسرائيل” تحليلاً بعنوان “بعد أن انقلب ترامب على زيلينسكي وحلفائه الآخرين، هل تصبح إسرائيل التالي؟”، مضيفة أنه إذا كان “ترامب قادراً على توجيه ضربة لأوكرانيا، ناهيك عن حلفاء أمريكا المقربين مثل كندا وكولومبيا والأردن، فمن قال إنه لن يفعل الشيء نفسه مع إسرائيل؟”.

وأضافت الصحيفة أنه، في خضم الدعم الذي قدمه ترامب وفريقه لإسرائيل، بدأت تظهر تشققات تجعل واجهة الدعم بأكملها أقل استقراراً مما تريد الحكومة الإسرائيلية.

وأشارت إلى أنه، إلى جانب لقاء حركة حماس، فإن ترامب أرسل رسالة إلى القيادة الإيرانية يحثها فيها على إجراء محادثات بشأن برنامجها النووي. ورغم أنه وعد بعدم السماح لإيران بالحصول على سلاح نووي، وألمح إلى إمكانية شن هجوم على المواقع النووية، فإن طهران إذا لعبت ورقتها بشكل صحيح وعرضت عليه صفقة، فقد يؤدي ذلك إلى خلق احتكاك بين إسرائيل والولايات المتحدة.

لكن تعيينات ترامب لكبار الموظفين وكبار الدبلوماسيين تشير إلى أن الإدارة الأمريكية ستظل داعمة بشدة لإسرائيل، كما يذكر دانييل بايمان، الزميل البارز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة جورج تاون، الذي حذّر من احتمالات المفاجآت.

عربي بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى