من هو الشرير حقا؟
شاهدت زوجتي أكثر من مرة جالسة إلى طاولة على شرفة بيتنا و أمامها مباشرة صحن فيه حبوب و قطع صغيرة من الخبزو حمامة (( ستيتية )) تنقر من الصحن و ترفع رأسها من حين لأخر كي تنظر إلى زوجتي و هي تبتسم…
كنت أشاهد هذا المنظر و قد أخذتني الدهشة في حين ما أكاد أكون وحدي و الحمامة تقفز هنا و هناك فإذا ما تأكدت من حضوري طارت بعيدا … حتى و لوجلبت لها حبوبا و قطعا من الخبز…
و حين قصصت على زوجتي الأمر مستغربا هروب الحمامة مني و إقترابها هادئة منها علقت على حديثي بقولها : يمكن أن الحمامة تخاف منك لأنك طردتها أكثر من مرة فقلت : أبدا .. لم أطردها إطلاقا بل على العكس حاولت إستمالتها بطعام متنوع تحبه الطيور ، و لكنها لم تعبأ بل كانت تفر من المكان فورا حين تراني هناك …
رويت حكايتي مع الحمامة إلى الأصحاب فكانوا يحملون الأمر على محمل التفكهة و المزاح فيقول لي بعضهم أن الطيور تشم رائحة القسوة في الإنسان الذي يقترب منها مهما كان مسالما في محاولته تلك ، و يضحك بعضهم قائلا : إن للطير حاسة في شم نزعة الشر في المخلوقات التي تعترضها ، و نحن البشر كما يبدو مخلوقات شريرة غالبا أو صيادون بطبعنا للحيوانات لا لنتغذى بها بل للتجارة بها أو التسلية أو حب المغامرة …
و هكذا شرعت أسترجع ذكرياتي أحداثا تحمل طابع قسوة ارتكبتها ذات يوم مع الحيوانات فلم أتذكر سوى واقعة لي مع قط ذكر كبير الجثة إفترس طعام الأسرة الذي كنا نحتفظ به في ما يسمى بالعامية (( النملية )) – قبل جلب البرادات – و هي خزانة خشبية صغيرة ذات باب مصنوع من شبكة معدنية رقيقة مثقبة تسمح للهواء بالدخول ، و توضع عادة في مكان ظليل بارد نسبيا و قد نسينا الباب مفتوحا مما سهل الأمر على القط .. أذكر أنني كنت الولد البكر في الأسرة و كنت وقتئذ في الرابعة عشر من عمري فترصدت القط ، حين تأكدت أنه السارق فعلا قذفته بمدقة الهاون النحاسية الثقيلة و أصبته على الفور بشكل عجز فيه عن الحركة فأجهزت عليه كما أذكر ورميت جثته بعيدا ….
رحبت الأسرة كلها بالحدث الإنتقامي و أشاد والدي بجرأتي و مهارتي في القذف و القتل ، ومنذ ذلك الحين صرت عدوا خطيرا للقطط السراقة والكلاب الشاردة والفئران المنزلية و الصراصير الملوثة وما أزال حتى اليوم أتمتع بهذه القدرة على التخلص من الحيوانات و الحشرات المؤذية .
ترى هل هذا هو الشر الذي كانت الحمامة تشمه في شخصي ؟ و هل أنا إنسان شرير حقا حتى ولو اقتصرت قدرتي على قتل الحيوانات المؤذية …أم ماذا ؟ … من هو الشرير حقا ؟!.