بلا حدود

من هي القوى الإقليمية والدولية المستفيدة من صراع القوميات في منطقة الشرق الأوسط ؟

د. ماهر عصام المملوك

يعتبر الصراع بين القوميات الكثيرة واهمها العربية والتركية والفارسية والكردية والنوبية  أحد أكثر القضايا تعقيدًا وتأثيرًا على منطقة الشرق الأوسط.

 

تمتد جذور هذا الصراع إلى قرون من التنافس الجيوسياسي والإثني بين هذه القوميات الكبرى، وهو ما يعزز انعدام الاستقرار ويعمق الانقسامات داخل المجتمعات المعنية.

ولفهم من المستفيد من هذا الصراع، يجب تحليل العوامل الجغرافية، السياسية، التاريخية، والدينية التي تشكّل الديناميكيات الحالية.

سيتيح ذلك فحصًا شاملاً للأطراف المتورطة والمستفيدة في ظل سياق التحولات الكبرى التي شهدتها المنطقة في العقود الأخيرة من القرن العشرين .

يعود الصراع بين القوميات في الشرق الأوسط إلى العصور القديمة، حيث كانت المنطقة مسرحًا لصراع الإمبراطوريات المختلفة. الإمبراطورية الفارسية، والعربية الإسلامية، والعثمانية التركية، والنوبية شهدت تقلبات متواصلة في السيطرة السياسية والثقافية، كل منها يحاول بسط نفوذه على شعوب المنطقة، بمن فيهم الأكراد الذين يعتبرون قومية بلا دولة قومية جامعة حتى الآن. وخلال القرنين الماضيين، تعزز هذا الصراع مع دخول قوى استعمارية غربية إلى المنطقة ومحاولتها تقسيم الأراضي على أسس إثنية وطائفية مما أسهم في تفاقم التوترات.

القومية العربية

القومية العربية ظهرت كحركة سياسية في القرن العشرين، مدفوعة بالرغبة في التحرر من الاستعمار وبناء دولة قومية جامعة للشعوب الناطقة بالعربية. مع تفكك الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، تشكلت دول عربية متعددة، ولكن الشعور بالقومية العربية ظل قائمًا في شكل حركات سياسية تهدف إلى توحيد العرب. ومع ذلك، أدى وجود قوميات أخرى غير عربية في المنطقة إلى تفاقم التوترات، خاصة في المناطق التي شهدت اختلاطًا بين العرب والكرد، أو العرب والأتراك.

القومية التركية

القومية التركية شهدت نهضة مع تأسيس الجمهورية التركية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك عام 1923. بعد انتهاء الإمبراطورية العثمانية، تبنت تركيا مسارًا قوميًا علمانيًا ركز على بناء دولة تركية حديثة تستند إلى الهوية التركية، مما أدى إلى اضطهاد القوميات غير التركية، مثل الأكراد والأرمن واليونانيين. هذه السياسة خلقت توترات بين تركيا وجيرانها العرب والفرس، وأدت إلى ظهور حركة كردية تطالب بحقوقها القومية.

القومية الفارسية

القومية الفارسية تعود إلى تاريخ الإمبراطورية الفارسية العريق، وقد ظلت إيران على مدى قرون تحاول بسط نفوذها في الشرق الأوسط. بعد الثورة الإسلامية في عام 1979، تحول الطابع القومي الإيراني إلى مزيج من القومية والدين، حيث يسعى النظام الإيراني إلى تصدير فكره الثوري والديني مما خلق صراعات إضافية في المنطقة.

القومية الكردية

الكرد، الذين يشكلون قومية كبيرة بلا دولة قومية خاصة بهم، يعيشون في مناطق متفرقة في تركيا، إيران، العراق، وسوريا. بعد الحرب العالمية الأولى واتفاقية سايكس بيكو، حُرِمَ الأكراد من فرصة إقامة دولتهم القومية، ما أدى إلى حركات تمرد متواصلة ومطالبات بالاستقلال أو الحكم الذاتي في الدول التي يتواجدون فيها.

المستفيدون من الصراع القومي في الشرق الأوسط

من أجل فهم من المستفيد من هذا الصراع، ينبغي تحليل الوضع من عدة جوانب: الدول القومية الكبرى (تركيا، إيران، الدول العربية)، القوى العظمى الخارجية، بالإضافة إلى الفاعلين غير الدوليين مثل الجماعات المسلحة والمنظمات الإرهابية.

القومية النوبية

القومية النوبية  تشير إلى الحركات الثقافية والسياسية التي تهدف إلى الحفاظ على الهوية النوبية، وتعزيز حقوق النوبيين في مصر والسودان. والنوبيون هم مجموعة إثنية تعيش في مناطق تقع على طول نهر النيل، تحديدًا في جنوب مصر وشمال السودان، ولهم تاريخ طويل وثقافة مميزة تشمل اللغة النوبية والتراث الشعبي والعادات والتقاليد.

ظهر الاهتمام بالقومية النوبية بشكل ملحوظ في القرن العشرين نتيجة للتحديات التي واجهها النوبيون، مثل تهجيرهم القسري في مصر لبناء السد العالي في أسوان (1960-1970)، والذي أدى إلى غمر قراهم وأراضيهم الزراعية. هذا التهجير أثر على حياة النوبيين، وأدى إلى تفكك مجتمعهم التقليدي، مما ساهم في تصاعد المشاعر القومية.

العديد من الحركات النوبية تسعى إلى إعادة الاعتراف بالثقافة النوبية وتدريس اللغة النوبية في المدارس، فضلاً عن المطالبة بالعودة إلى الأراضي الأصلية التي غمرت تحت مياه السد العالي، وضمان تمثيل عادل لهم في القرارات السياسية المتعلقة بمناطقهم وحقوقهم.

1. تركيا:

تركيا، تحت حكم رجب طيب أردوغان، تبنت سياسة خارجية نشطة تتدخل بشكل مباشر في الشؤون الداخلية لدول الجوار. من أبرز الأمثلة على ذلك تدخل تركيا في سوريا والعراق تحت ذريعة مكافحة حزب العمال الكردستاني (PKK) والجماعات الكردية الأخرى التي تعتبرها تهديدًا لوحدة أراضيها. هذا التدخل يعزز نفوذ تركيا الإقليمي ويوفر لها فرصًا لتحقيق مكاسب اقتصادية وجيوسياسية، سواء من خلال السيطرة على الأراضي أو التأثير على معادلات القوة الإقليمية.

إضافة إلى ذلك، يُستخدم الصراع القومي بين العرب والأكراد في سوريا لتعزيز الدور التركي في تحديد مستقبل سوريا السياسي، في ظل الانقسام الكبير داخل المجتمع السوري. تركيا أيضًا تستفيد من انقسام الكرد في العراق وسوريا لتعزيز نفوذها هناك وتوسيع مصالحها الاقتصادية عبر مشاريع الطاقة والنفط.

2. إيران:

إيران هي الأخرى مستفيدة بشكل كبير من هذا الصراع. النظام الإيراني يسعى إلى بسط نفوذه في المنطقة عبر استغلال الانقسامات الداخلية بين القوميات.

كما أن الصراع مع المشروع الإيراني في المنطقة يساعد النظام الإيراني في توحيد الداخل الإيراني المتنوع إثنيًا وطائفيًا ، مما يعزز شرعية النظام الإيراني ويصرف النظر عن القضايا الداخلية.

3. الدول العربية:

الدول العربية ليست مستفيدة مباشرة من هذا الصراع، لكنها تسعى إلى تقليص خسائرها والبحث عن طرق لتعزيز مصالحها في مواجهة التدخلات الإيرانية والتركية. على سبيل المثال، المملكة العربية السعودية تسعى إلى مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة عبر دعم قوى محلية في العراق وسوريا ولبنان. الإمارات العربية المتحدة كذلك تعمل على توسيع نفوذها في المنطقة من خلال التحالف مع قوى محلية تتعارض مع التوجهات الإيرانية والتركية.

4. القوى العالمية:

القوى العالمية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين هم أكبر المستفيدين من هذا الصراع.

فالولايات المتحدة استغلت الصراع العربي الفارسي الكردي لتعزيز وجودها العسكري والسياسي في المنطقة. كما استفادت من دعم الأكراد في العراق وسوريا لتعزيز مصالحها في مواجهة النفوذ الإيراني والتركي، بينما تظل تركيا حليفًا رئيسيًا في حلف الناتو رغم تباين المصالح.

من جانب آخر، روسيا استغلت الصراع للتدخل في سوريا لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط وتعزيز دورها كلاعب أساسي في تسوية الأزمات الإقليمية.

5. الجماعات المسلحة والمنظمات الإرهابية:

الجماعات المسلحة مثل داعش وغيرها تستفيد من الصراع القومي في الشرق الأوسط لتعزيز وجودها وجذب المجندين. هذه الجماعات تعتمد على الفراغ الأمني الناتج عن الصراع بين القوميات المختلفة، وتستغل المشاعر الطائفية والقومية لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية. كما أن الفراغ الأمني والسياسي في بعض الدول مثل العراق وسوريا يسمح لهذه الجماعات بالتمدد والسيطرة على مناطق واسعة.

مايجعلنا نصل إلى اليقين الذي لالبس فيه هو  من المستفيد من القوى الدولية من خلق الكيان الاسرائيلي في قلب المنطقة العربية والشرق الأوسط لتكون في قلب وبين القوميات الموجودة في الشرق الأوسط هو الولايات المتحدة الامريكيه وحلفاءها من إنشاء الكيان الإسرائيلي في قلب المنطقة العربية والشرق الأوسط والذي يخدم المصالح الاستراتيجية للقوى الدولية، خاصة القوى الغربية. ويمكن تلخيص هذه المصالح في عدة نقاط رئيسية:

  1.  الاستراتيجية الجيوسياسية: وجود دولة إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط يتيح للقوى الغربية قاعدة نفوذ عسكرية وسياسية في منطقة غنية بالموارد، خصوصًا النفط والغاز. إسرائيل تمثل حليفًا قويًا يمكن الاعتماد عليه في منطقة تشهد اضطرابات سياسية وصراعات مستمرة.2. السيطرة على النفط والطاقة: الشرق الأوسط يعتبر من أهم مناطق العالم من حيث احتياطيات النفط والغاز. بوجود إسرائيل كحليف رئيسي، يمكن للقوى الدولية تعزيز نفوذها في المنطقة وضمان تدفق الموارد الطبيعية إلى الأسواق الغربية.
  2. تحقيق توازن القوة: تأسيس إسرائيل ساعد في كسر التكتل العربي والإسلامي التقليدي في المنطقة. بإيجاد كيان جديد بمصالح وقيم مختلفة عن المحيط العربي، استطاعت القوى الدولية خلق حالة من الصراع المستمر الذي يقلل من تركيز دول المنطقة على التنمية والاتحاد، ويزيد من حاجتهم إلى التحالفات مع قوى خارجية.
  3.  المصالح التاريخية والدينية: بالنسبة لبعض القوى الغربية، مثل الولايات المتحدة، يرتبط دعم إسرائيل بمصالح دينية وإيديولوجية. فهناك تيارات دينية وسياسية في الغرب ترى في إنشاء دولة إسرائيل تحقيقًا لوعود توراتية، ما عزز من الدعم السياسي لها.
  4.  الحفاظ على الأمن الإقليمي: القوى الدولية ترى في إسرائيل قوة إقليمية عسكرية متقدمة، يمكن الاعتماد عليها في مراقبة واحتواء أي تهديدات قد تنشأ من دول أخرى في المنطقة، سواء كانت هذه التهديدات سياسية أو أيديولوجية.

بالمجمل، فإن إنشاء الكيان الإسرائيلي يعكس تفاعل عدة مصالح دولية متشابكة، اقتصادية وجيوسياسية وإيديولوجية، تستفيد منها القوى الغربية بشكل رئيسي في التحكم والسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، والحفاظ على توازن قوى يخدم تلك المصالح على المدى الطويل.

في النهاية ، لا يمكن القول بأن طرفًا واحدًا فقط يستفيد من الصراع بين القوميات العربية والتركية والفارسية والكردية والنوبية  في الشرق الأوسط. فالصراع معقد ومتشابك، والمستفيدون منه متنوعون بحسب مصالحهم وأهدافهم الاستراتيجية. تركيا وإيران تعتبران من أبرز الأطراف المستفيدة على المدى القصير، حيث تسعيان لتوسيع نفوذهما في المنطقة على حساب القوميات الأخرى. القوى العالمية مثل الولايات المتحدة وروسيا تستفيد من استمرار حالة عدم الاستقرار لتعزيز وجودها العسكري والسياسي في المنطقة.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

زر الذهاب إلى الأعلى