مواقف كلينتون من القضايا العربية
لا تبدو مواقف الرئيسة المقبلة المُحتملة للولايات المتحدة مختلفة عن سلفها إلا من نواحٍ تكتيكية، مع العلم أن الشرق الأوسط لم يعد يحظى بالأولوية نفسها التي كانت له سابقاً لدى الإدارات الأميركية.
باعتبار أن نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية باتت محسومة باعتقادي، فإن من المفيد دراسة مواقف هيلاري كلينتون فيما يخص القضايا العربية، مع الأخذ بالاعتبار أن مواقف المرشحين الرئاسيين عرضة للتعديل، وحتى التبديل، حين يدخلون البيت الأبيض.
كلينتون اتخذت موقفا أكثر تشددا من الرئيس باراك أوباما تجاه نظام بشار الأسد، حتى عندما كانت وزيرة للخارجية. ويتلخص موقفها الحالي في دعم إنشاء مناطق حظر جوي، وزيادة الدعم للمعارضة السورية المعتدلة عن المستوى الحالي، إنما من دون تدخل بري أميركي. لكن كلينتون ستواجه معضلة بعد الانتخابات تتمثل في إيجاد معارضة معتدلة تعمل معها في ضوء التدمير المنهجي لهذه المعارضة من قبل روسيا. كما أن فريقها المحتمل منقسم، هو الآخر، بشأن سورية. فأشخاص كوزيرة الدفاع المُحتملة ميشيل فلورنوي (نائب سابق لوزير الدفاع)، ومستشار كلينتون الرئيس جيك سليفان، يؤيدان موقفا أكبر دعما للمعارضة، بينما يتخذ أشخاص آخرون مثل مستشارها الرفيع فيل غوردون (المسؤول السابق في البيت الأبيض ووزارة الخارجية) موقفا أكثر تحفظا. وفي ضوء المعارضة الكبيرة من قبل الرأي العام الأميركي لتدخل كبير في سورية، يبدو من المرجح أن التغيير في الموقف الأميركي هنا سيكون في معظمه تغييرا في النبرة أكثر من أي تغيير استراتيجي.
وبشأن النزاع العربي الإسرائيلي، لا تخفي كلينتون دعمها شبه المطلق لإسرائيل، وهي التي تحظى حملتها بدعم مالي من كبار شخصيات الجالية الأميركية اليهودية، على رأسهم الأميركي اليهودي من أصل مصري حاييم سابان. وينسى كثيرون، ومنهم كلينتون نفسها، أنها دعت إلى إقامة دولة فلسطينية قبل زوجها حين كان رئيسا، ورافقته إلى غزة لتحضر مؤتمرا للمجلس الوطني الفلسطيني العام 1998، لكنها بدلت موقفها بعد أقل من عام على ذلك، عندما قررت الترشح لمجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك.
برغم ذلك، فقد تحاول كلينتون إحياء العملية السلمية كما فعل ذلك زوجها قبل سبعة عشر عاما. لكنها لن تقوم، على الأغلب، بالضغط على إسرائيل للقيام بما من شأنه جعل حل الدولتين ممكنا، خاصة في وجود حكومة إسرائيلية تصرح علنا بعدم رغبتها في تنفيذ مثل هذا الحل. لذلك، ستتبع كلينتون، غالبا، نفس الأسلوب العقيم الذي يدعو إلى مفاوضات لا تنتهي بين الجانبين، بينما تواصل إسرائيل سياستها بتغيير الحقائق على الأرض. وآمل أن لا ننجرّ في الأردن لمثل هذه السياسة العقيمة التي لن تنجح إلا في إضاعة الوقت وتأجيج المشاعر.
وبالنسبة لتنظيم “داعش”، فإن موقف كلينتون يتمثل في ضرورة تكثيف الغارات الجوية ضده. وهذا بالكاد يمثل موقفا جديدا، إضافة إلى أنه لا يتعرض للأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تؤدي ببعض الشباب إلى الالتحاق بالتنظيم، ومحاولة المساهمة في معالجتها. أحدث تصريح لكلينتون حول الأردن، إبان أحد نشاطاتها الانتخابية في ولاية أيوا العام الماضي، تسبب ببلبلة في الرأي العام المحلي، حين قالت إن فرص التوصل لاتفاقية سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل ضعيفة حتى يتضح سير الأمور في سورية، و”فيما إذا كان الأردن سيستمر في تمتعه بالاستقرار”. ومع أنني لا أميل لإعطاء هذا التصريح أكثر مما يستحق، فإنه دليل آخر على أننا لا نستطيع الاعتماد لا على الأميركيين ولا على أي جهة أخرى غير أنفسنا، لبناء الأردن المستقر المزدهر.
بشكل عام، لا تبدو مواقف الرئيسة المقبلة المُحتملة للولايات المتحدة مختلفة عن سلفها إلا من نواح تكتيكية فقط، إضافة إلى حقيقة يجب أن نبدأ بإدراكها، وهي أن الشرق الأوسط لم يعد يحظى بنفس الأولوية التي كانت له سابقا لدى الإدارات الأميركية.
بدأنا مرحلة الدخول في حقبة جديدة بعد تدني أسعار النفط، وتراجع الاهتمام الأميركي. وهي مرحلة ستكون الغلبة فيها لمن يدرك ضرورة الاعتماد على النفس، أكثر من أي عوامل خارجية.
صحيفة الغد الأردنية