موت محطة فضائية: بكينا لحظة إغلاق قناة تلاقي!

يوم الجمعة في 14 تشرين الأول 2016 أوقفت قناة تلاقي السورية بثها عند الظهر، وغنت عبر شاشتها آخر ما يغنيه شباب سوريون حلموا ب ((التلاقي)) ذات حرب، وهم يتهجّون النشيد الوطني، ويرددون : أبت أن تذل النفوس الكرام!
تحولت قناة تلاقي على الشاشة، إلى اللون الأسود، وكأن الحزن قد دب في تكوين القمر الصناعي التي تبث منه الحزمة الفضائية التي هي جزء منها، واللون الأسود كما تعلمون هو الظلام بعينه، وعندما يتحول موقع ((التلاقي)) إلى الظلام بعينه، فإن الخوف من المجهول هو القادم !
هذا هو إحساسنا الداخلي ..
في تلك اللحظة كان يتجمع في ((كونترول)) هذه القناة شخصيات معنية بالإعلام السوري، وعندما كانت القناة تلفظ أنفاسها، اغرورقت العيون بالدموع، كانت لحظة حزينة فعلا، ليس لأن ثمة قناة قد عجزت عن استكمال طريقها لأسباب محددة، فهناك عشرات المحطات توقفت قبلها وقد تتوقف بعدها، بل لأن أحلاما عند كثيرين مما يحبون سورية انطفأت في لحظة واحدة !!
كنت في بيتي، أعد محطات الحزن في حياتي، عندما عم السواد شاشة قناة ((تلاقي)) الجميلة، وهي محطة انتقدت كثيرا لأسباب معروفة، ولأني شعرت في لحظة من اللحظات أني من أسرتها دون أن أكون عاملا فيها، حزنت، وطبيعي أن أحزن حتى لو أكن موافقا على ما أنتجته وما قدمته، رغم أنها حاولت .. حزنت لأني أنا الذي اقترح اسم ((المولود الجديد)) قناة التلاقي قبل سنوات، عندما تشرفت بأن أكون عضوا في اللجنة المختصة بإطلاقها مع الأصدقاء الأعزاء مديرها المسرحي المعروف الدكتور ماهر خولي والصحفي خالد مجر والمهندس أيمن الأخرس..
ويوم اتفقنا على ميثاقها وصاغه الدكتور ماهر بعد حوار جميل فيما بيننا، علق عليه وزير الإعلام السوري وقتها عمران الزعبي بعبارة مكتوبة بالأخضر: موافق، ويوم افتتحت جاء رئيس الحكومة السورية السابق الدكتور وائل الحلقي وامتدح في تصريح له ((فلسفة الاسم))!
يا لفلسفة الاسم أين أصبحت ؟!
عندما أصبح لون قناة ((تلاقي)) أسود على شاشة التلفزيون، انتابت كل واحد منا مشاعر خاصة، قد يكون من بينها : الخوف من غياب التلاقي بين السوريين، وأنا شعرت بذلك ، لا أخفيكم .. ربما يكون السبب في طبيعتي .. لاأعرف..
وفي شكل موت القناة ، راودني سؤال يقول :
من هو الذي وضع السيناريو البصري الأخير لإطفائها؟ هل هو مديرها الدكتور ماهر خولي ؟!
إن هذا السيناريو يدل على مهارة في الصناعة التلفزيونية ينبغي الوقوف عندها إذا كان ثمة انتقاد لأداء القناة وظروف عملها في السنوات الخمس التي مرت من حياتها قبل الموت .. أما في المعنى الرمزي، فيا لعار السوريين عندما يعجزون عن التلاقي ، وعندما يعجزون عن الاستمرار في قناة تحمل هذا الاسم أو المعنى ، فأنا وبينما كنت أغمض عيني على سوادها، تذكرت الحرب كلها، تذكرت وقائعها يوما بيوم، بدءا من خروج التظاهرات إلى الشوارع عام 2011، ومرورا بكل أشكال الموت والدمار وسيول الدم التي شاهدناها، وصولا إلى آخر المشاعر التي انتابتنا ونحن نسمع الرئيس الأمريكي باراك أوباما قبل أيام يدعو لبحث كل الخيارات بشأن الأزمة السورية بما فيها الخيار العسكري لتدمير آخر ما تبقى من بنى الدولة السورية..
تذكرت ذلك، وشعرت أن الحل هو نفسه ذاك الذي يأتي من السواد الذي عمّ شاشة القناة لحظة إغلاقها، الحل هو في بصيص الأمل في وحدة السوريين لمواجهة الحرب عليهم، ووحدة السوريين، تعني (( التلاقي)) !!!
ليكن ، فقد ماتت قناة تلاقي، ماتت محطة فضائية ، بكينا لحظة الانطفاء تلك ومن الضروري أن لايموت الأمل!!