نوافذ

موجةُ قلق

اليمامة كوسى

في غالبية الأوقات أجدُ نفسي فتاةً مرتاحة البال من الصعب أن يُعكّر أحدٌ ما أو أمرٌ ما مزاجها بسهولة، ومن الأصعب أن يمرّ اليوم دون أن تملؤه أصداءُ ضحكاتها، تستطيع أن تتلمّس حقيقة الأشياء والناس من حولها وتتقبّلها بأريحية، لا تشعر بأنّ عليها أن تشرح نفسها أو تثبت رأيها أو أن تقدّم التبريرات لما تقوله أو تفعله أو تفكر فيه على الدوام، لا يعتريها الفضول تجاه أيّ خبر أو حديث مهما استعرت نارُ حماسته، تجيد حياكة المسافات الآمنة مع الآخرين دون أن تجرح أصابعها، ولا أصابعهم، لا تخشى أن تُدمي الأرض قدميها حتى وإن مشت فوقها حافية، كما أنّ لديها مرونة المضيّ قدماً مهما تعثّرت مشاعرها بحجارة الطريق، لا تستهويها الأقنعة ولا تخجل من إظهار وجهها حتى في أكثر الحفلات التنكّريّة ضخامة، لا تخاف من أن تُخطئ وتُنتَقَد ما دام ذلك سيدفعها خطوة إلى الأمام.

قد يكون السبب في كلّ تلك الطّباع إن كان بإمكاني تسميتها هكذا؛ هو أنني نادراً ما أولي الماضي أو المستقبل جزءًا كبيرًا من وقتي فأنا أرتدي اللحظة الراهنة كما لو أنها الرداء الوحيد الذي أملكه، لا أفكّر في الماضي فأندم إن كان فضفاضاً على  إمكانيّاتي، كما لا أفكّر في المستقبل فأخاف من أنه قد يكون ضيّقًا على تطلّعاتي. للحقيقة إنّ جلّ تركيزي يكون منصبّاً على أن أشعر بالرّضا عن حياتي كل لحظة بلحظتها فأجعل من كلّ تصرّف أو قول أو قرار قضايا كبيرة في محكمتي الخاصة تنتظر بإذعان حكمَها المباشر الذي يصدر في نفس الجلسة دون استئناف. أفكّر بأنّ الحياة أقصر من أن يقام لكلّ يوم من أيامها جلسات عديدة من المحاكمة يُناقَش فيها ماضٍ لم يعد موجوداً أو مستقبلٌ ليس لهُ وجود بعد.

لكنني ورغم كل ذلك أشعر في بعض الأوقات بموجةٍ عالية من قلقٍ محيّر تعتلي رأسي وتغطّي كلّ أفكاري فلا أقدر على التنفس، لا وقت محدد لها، ولا سبب محدّد يبرّرها، تأتي هكذا دون إنذار مسبق وتأخذ معها كلّ الطمأنينة التي تكتنفُ نفسي، لا أستطيع إخفاء رغبتي بالبكاء على أمور حدثت وعلى أخرى لم تحدث لكنني تهيّأتُ حدوثها، أفكّر بالأمور والأقوال والتصرفات التي لم تسر على ما يرام، وعلى نحوٍ غريب أفكّر بتلك التي فعَلَت، كما لو أنني ألومها لأنها سارت على نحو صحيح أكثر من اللازم!

صحيح أنّ تلك الموجة تظهر في أوقات قليلة جداً ولا تلبث أن تنحسر بعد مدة إلا أنني لا أستطيع إلّا أن أعترف بعجزي التامّ أمامها وأمام الشعور المُغرِق الذي تحاوطني به في كل مرة، لكن بالمقابل إنها تذكّرني بحقيقة لا ينبغي عليّ أن أنساها أبداً وهي أنّ الإنسان مجبول بالمشاعر المتناقضة؛ الفرح والحزن، الأمل واليأس، الطمأنينة والقلق، كل هذه المشاعر وغيرها الكثير الكثير من الثنائيات التي لا يمكن أن يشعر بأحدها إلا إذا جرّب نقيضه.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى