موفد ماكرون إلى بيروت يعود بيد فارغة وأخرى لا شيء فيها
لم تقدم زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت لاستكشاف سبل انتشال البلاد من متاهة الشغور الرئاسي أي جديد ولم تحدث اختراقا في الأزمة، وفق ما يجمع عليه الفرقاء السياسيون اللبنانيون.
والتقى لودريان في بيروت رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والبطريرك الماروني بشارة الراعي ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية ورئيس مجلس النواب نبيه بري.
وجاءت زيارة لودريان بعد فشل البرلمان اللبناني في 12 جلسة منذ سبتمبر/أيلول 2022 كان آخرها في 14 يونيو/حزيران الجاري في انتخاب رئيس جديد للبلاد خلفا لميشال عون الذي انتهت ولايته في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022.
وانحصرت المنافسة الرئيسية بين مرشح المعارضة وأغلب القوى المسيحية والحزب التقدمي الاشتراكي وآخرين جهاد أزعور ومرشح الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) وحلفائهما سليمان فرنجية.
وفي آخر جلسة للبرلمان حصل أزعور على 59 صوتا مقابل 51 نالها فرنجية وتوزعت بقية الأصوات على مرشحين آخرين.
وخلال لقائه ميقاتي، أكد لودريان أن “الهدف من زيارته الأولى إلى لبنان هو استطلاع الوضع سعيا للمساعدة في إيجاد الحلول للأزمة التي يمر بها البلد، والبحث مع مختلف الأطراف في كيفية إنجاز الحل المنشود”.
وأكد أيضا في تصريح آخر من مقر البطريركية المارونية في بكركي (شرق) أن هدف زيارته هو “الاستماع وإجراء المشاورات الضرورية مع كافة الأطراف للخروج فورا من المأزق السياسي، ثم النظر في أجندة إصلاحات من أجل أن يستعيد لبنان الحيوية والأمل”. ورغم تأكيد لودريان أن زيارته “استطلاعية”، لكن كل مكون لبناني فسر الزيارة بطريقة مختلفة، وفق مطلعين.
ووصف رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لقاءه مع مبعوث ماكرون قائلا “الجلسة مع الموفد الفرنسي كانت استطلاعية 100 في المئة، فالضيف الفرنسي طرح العديد من الأسئلة حول الملف الرئاسي وكانت لنا أجوبة في هذا السياق”.
وأكد جعجع، في مؤتمر صحفي الخميس عقب لقائه لودريان أن الأخير “لم يأتِ لإقناعنا برئيس تيار المردة سليمان فرنجية أو غيره ولم يطرح أي اسم للرئاسة”.
وأوضح أن “لودريان يسعى لإيجاد الحلول وهو مُرحّب به مثل أي موفد أجنبي آخر”، مشيرا إلى أن “المسألة الرئاسية مرتبطة بالداخل اللبناني والنواب والكتل في البرلمان”.
وفي أبريل/نيسان الماضي ذكرت وسائل إعلامية أن فرنسا تدعم وصول الوزير السابق فرنجية لرئاسة الجمهورية مقابل وصول القاضي والدبلوماسي السابق نواف سلام لرئاسة الحكومة، لكن وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا نفت دعم بلادها لأي مرشح رئاسي في لبنان، مشددة على أهمية انتخاب رئيس في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة في البلاد.
ومنذ إعلان الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) حليفي إيران دعمهما ترشيح فرنجية للرئاسة، تشهد الساحة السياسية في لبنان تباينا في المواقف بين مؤيد ومعارض.
وفي هذا الإطار، قال عضو تكتل “الجمهورية القوية” (الكتلة النيابية لحزب القوات اللبنانية) النائب غياث يزبك إن “زيارة لودريان جيدة وأظهرت قبول فرنسا بأنها أخطأت بالتسرع بتأييد فرنجية”.
ولفت إلى أن “وصول لودريان وتغيير رئاسة الفريق الفرنسي هي نوع من اعتراف دبلوماسي صامت أن فرنسا أخطأت وأنها عادت تتموضع بخط وسطي بين اللبنانيين دون الوقوف مع فريق دون آخر”.
واعتبر يزبك أن “زيارة لودريان لا تؤثر كثيرا في الوضع الانتخابي الداخلي، بقدر ما تؤمّن لفرنسا استمرارية موقع مؤثر ضمن اللعبة الشرق أوسطية انطلاقا من لبنان”، مضيفا “في حزب القوات اللبنانية والمعارضة عموما نعتبر أن عملية اختيار رئيس للجمهورية تجري تحت قبة البرلمان”، داعيا إلى إجراء “دورات متتالية لانتخاب رئيس للبلاد”.
بدوره قال عضو كتلة “التنمية والتحرير” بزعامة نبيه بري النائب قاسم هاشم إن زيارة لودريان تأتي “استكمالا للخطوات الأولى التي قامت بها فرنسا منذ بداية إطلاق مبادرة الرئيس ماكرون لمساعدة اللبنانيين في إنهاء أزمة الشغور الرئاسي”.
وأوضح أنه “لم يتغير شيء بعد الزيارة وأن ما حصل هو دفع جديد لإمكانية التلاقي بين اللبنانيين لبحث أمور الاستحقاق الرئاسي وإنهاء شغور منصب الرئيس بأسرع وقت”.
وأشار هاشم إلى أنه “لم يتم التطرق أو الاتفاق على أسماء محددة في زيارة لودريان”، مؤكدا استمرار دعم حزب الله وحركة أمل ترشيح فرنجية، معتبرا أن “فرنسا لم تعلن أنها خرجت عن طرحها الأولي”، في إشارة إلى تأييد فرنجية.
أما بالنسبة إلى القوى التغييرية في البرلمان فقد رأى النائب عبدالرحمن البزري أن “زيارة لودريان لبيروت كانت استكشافية ولإعادة قراءة المعطيات بعد جلسة الانتخاب الأخيرة التي أوضحت صعوبة التوصل إلى اتفاق دون الحوار”.
وأكد البزري أن “الزيارة لم تحمل آراء وخطة وإنما كانت جولة لبحث الآفاق والاستفسار عن بعض النقاط (لم يذكرها) من قبل الجانب الفرنسي”، مشيرا إلى أن “لودريان يمثل اهتمام دولة مهمة في المنطقة ونأمل أن يتوسع الاهتمام الدولي بلبنان”.
وشدد على أنه “يجب أن يكون هناك نوع من الحراك الداخلي اللبناني باتجاه تسوية سياسية تأخذ بعين الاعتبار عدم فرض الرأي على الآخر”.
وعن تأييد فرنسا لفرنجية قال البزري إنه لاحظ أن “القوى منقسمة بعد الزيارة، فبعضها نعى المبادرة والبعض الآخر أكد عليها”.
وأوضح أن البعض يرى أيضا أن “المبادرة الفرنسية لا تزال مطروحة على الطاولة مع انفتاح باريس على اقتراحات أخرى”، قائلا “أعتقد أن الخيار الأخير هو الأقرب”.
الميادين نت