كتب

‘ميثاق النساء’ لحنين الصايغ.. معاناة النساء تبقى واحدة

رامي فارس الهركي

الرواية تنسج خيوط عمل أدبي عميق يصور معاناة المرأة الدرزية تحت وطأة العادات والتقاليد والقيود الدينية، عبر شخصية تكافح من أجل حريتها.

 

قرأتها ولم تغادرني. هناك بعض الأعمال الروائية تستحق بجدارة أن نضعها في خانة ومصاف الأعمال الأدبية الاخرى والخالدة في الذاكرة الإنسانية، أعمال لا تفقد بريقها حتى وإن مر على قرأتها سنوات طويلة، أعمال أدبية لن تنسى ولن تتكرر.

لم أقرأ عن ميثاق يجمع مآسي النساء في المجتمعات المنكفئة على نفسها، مآسي نساء أفنين أعمارهن وأجسادهن للغیر في مجتمعات ترفض الفكرة لمجرد أنها فكرة وتتقاطع مع أي تغيير ممكن أن يحصل، مجتمعات مكبلة بالعادات والتقاليد والتعاليم الدينية، إلا بعد قرأت “ميثاق النساء”، للشاعرة والروائیة حنين الصايغ.

ميثاق النساء هو عنوان إحدى رسائل الحكمة المقدسة لدى الدروز اختارته الأديبة ليكون عنوان لروايتها الأولى والجديدة التي كانت أحدى الاعمال الادبية المرشحة لجائرة الرواية العربية 2025.

بقلم رشيق واسلوب مميز استطاعت الكاتبة أن ترسم لنا وبوضوح معالم المجتمع الدرزي الذي يعد من المجتمعات الغير معروفة داخلياً وأن تميط اللثام عما  يحدث للمرأة نتيجة للضغوطات الشديدة الناتجة عن العادات والتقاليد والقيود الاجتماعية وما يفرضه رجال الدين من تعاليم، فهناك وجه واحد فقط هو الصحيح وما دونه هو الضلال.

من رحم هكذا مجتمع تخرج لنا حنين الصايغ بشخصية أمل بو نمر، الشخصية الرئيسة والمحورية في الرواية لتسرد على القراء بلسانها  تفاصيل معاركها مع الحياة وكيف خرجت في النهاية منتصرة لتخطط وترسم حياة جديدة ومستقبل واعد بعيد عن سيطرة الدين والأب ومجتمع القرية والزوج

استطاعت حنين الصايغ أن تضيع بين أيدي القراء رواية متكاملة لا يشوبها نقص، رواية تشعر كل من قرأها وعاش في مجتمعات كمجتمع أمل بو نمر أنها روايته هو، فهي هنا لا تتحدث بلسان أمل إنما بلسان كل النساء اللواتي يرزحن تحت ثقل القيود الاجتماعية والدينية، فبين أيدينا ميثاق للنساء، ميثاق يجمع النساء في معاناتهن وتعاطف بعضهن مع البعض ومحبة بعضهن البعض حتى وإن اختلفت الجنسيات والعناوين فمعاناة النساء تبقى واحدة وكما قالت الكاتبة في أحد لقاءاتها الصحفية إن “ميثاق النساء هي رسالة محبة وأن غضب البعض منها”.

ما يميز هذا العمل هو السياق والحبكة وعمق المعنى وبساطة الأسلوب، فقد كتبت بلغة سهلة غاية في الدقة والإتقان وبأسلوب عميق وساحر بعيد عن الإسهاب في الوصف أو تكرار المعنى لإيصال الفكرة إلى القارئ والتي قد تفقد النص جماله.

ترتيب الشخصيات والحوارات والأحداث جاءت متوازنة، ولا غريب في ذلك إذا ما علمنا أن حنين الصايغ قبل أن تكون الروائية فهي الشاعرة التي تحلق بكلمتها وأشعارها نحو فضاءات واسعة لا يحدها زمان ولا مكان.

“ميثاق النساء”، رواية عن دار الاداب البيروتية.

ميدل إيست أونلاين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى