ناقدة أردنية تدرس الرؤى والتشكيل في روايات ليلى الأطرش

 

الرواية عمل أدبي يتم من خلاله إعادة صياغة العلاقات بين عناصر هذا الواقع بما يتيح للكاتب التعبير عن رؤيته لواقعه، وكلما كانت تلك الرؤية عميقة حاملة في طياتها لوعي الأديب كلما كانت أقدر على الكشف عن القوى المهيمنة في الواقع، وبالتالي اكتسب العمل الأدبي سمته المميزة، كما في روايات ليلى الأطرش، وهي الظاهرة التي ترصدها الأكاديمية الأردنية أسماء الزريقات في كتابها “الرؤيا والتشكيل في أعمال ليلى الأطرش الروائية” (دار فضاءات الأردنية) وهو في الأصل  نص الأطروحة التي نالت بها الباحثة درجة الدكتوراة في النقد الأدبي من الجامعة الأردنية.

تذهب الزريقات في كتابها إلى أنه ليس ثمة عشوائية في الأعمال الأدبية، فلابد للأديب من رؤية ينظر من خلالها إلى العالم، وهي لا ترى فارقا بين الرؤية والرؤيا، فالرؤية عندها إدراك للعالم الواقعي، بينماالرؤيا هي الإدراك الوهمي، وهما معا وفقا لتعريفها “النظرة العامة الشاملة التي يقدمها الأديب من خلال أدبه، وهي رسالة تحمل في طياتها الآراء التي يشكلها الأديب من مجموع الصور والمفردات، ضمن إطار ادبي يتناسب ومنظومة القيم التي يتميز بها الأدب”، وانطلاقا من هذا المفهوم يرصد الكتاب الرؤيا التي عبرت عنها روايات ليلى الأطرش، ففي روايتها “وتشرق غربا” تتشكل الرؤيا من خلال تكون شخصية بطلتها هند النجارعبر مجموعة من الأحداث الدالة على كبوات الأمة في هذه المرحلة، وتحمل الرواية ابتداء من المفارقة في عنوانها رؤية سياسية دون مباشرة، حيث تناقش موضوعات الحرية وفق منظور الناس العاديين الذين يحكمون على الأحداث السياسية وفق تأثيرها على أوضاعهم المعيشية، وهكذا فالسياسة في الرواية تصبح جزءا اساسيا من الظرف التاريخي والإجتماعي والإنساني لحياة الناس، وفي روايتها “امرأة الفصول الخمسة” قدمت نماذج انتهازية تستغل نفوذها لتحقيق مآرب خاصة، وعبرت ليلى الأطرش عن صوت الأنثى من خلال نادية الفقيه التي عانت من عدم الاتساق بين جمود خارجي  يتهددها، وعالم داخلي موار لكنها تمثل المرأة الأردنية في تمردها وخضوعها.

وفي رواية “ليلتان وظل امرأة” تسعى إلى تقديم رؤية التحقق الذاتي، من خلال شخصية منى الأشهب، من خلال الإشارة إلى أثر الاحتلال الصهيوني على شخصيتها، وهي تحاول اخفاء شعورها بالتعاسة، فقد حرمتها أسرتها من التعليم الجامعي عقابا على حبها وأجبروها على الزواج من شخص آخر، وقد استمر زواجها لأنها تعايشت مع ظروفها القاهرة، وتظهر الرواية من خلال شخصية منى أن مشكلة المرأة الأساسية تكمن في ذاتها، لأن قليلات من يمتلكن ذواتهن ويستطعن مقاومة ضغوط المجتمع وتقاليده الجائرة.

أما في “صهيل المسافات” فتحررت من نون النسوة، وعرضت لمعاناة المثقف العربي في مجتمع قبلي عشائري، فهو يعاني القهر والاستلاب، وذلك من خلال شخصية صالح أيوب الذي يعيش نوعا من الأزمة مع ذاته ومع مجتمعه، وفي رواية “مرافىء الوهم” تطرح قضايا النساء العاملات في الإعلام، وترصد هموم المرأة العربية ومعاناتها، فعلى الرغم من تنوع الشخصيات وبلدانهم إلا أن المعاناة واحدة، وقد جاءت صورة المرأة في الرواية  نقيضا لصورتها في ذهن الرجل، إلا أنها تبقى محكومة بالشرط الواقعي الذي تتحرك فيه الشخصيات، فجاءت الرواية نقدا للمعايير الجائرة التي قد يضعها المجتمع.

وأخيرا في رواية “رغبات ذاك الخريف”، وهي رواية المكان العماني الذي يتكون من تفاعل الشخصيات معه، تخترق التابوهات الثلاثة، فتحدثت عن الدين والجنس والسياسة، مسلطة الضوء على مثالب اجتماعية تتدثر بالدين، وتلتقط أبرز الأحداث السياسية لتنسج من خلال خيوطها صورة اجتماعية وأخلاقية لما كان يجري.. وهكذا لم تبق الكاتبة ضمن إطار رؤيا واحدة، بل تعددت الرؤى، تبعا للمراحل التي كتبت فيها كل رواية، مع وجود صلة تربط بين الروايات الست التي انطلقت من بنية شاملة تولدت منها.

وفي تجسيدها لهذه الرؤيا تنوع استخدام الكاتبة للرواة، لتحدد وجهات النظر المختلفة بما يخدم موضوع الرواية ورؤيتها، التي تضافرت مع تصوير الكاتبة للأمكنة. وقد اعتادت ليلى الأطرش أن تذكر أسماء الأماكن التي تجري فيها الأحداث، تارة كما هي مثل القاهرة ، القدس، عمان، وغيرها، وتارة أخرى تخترع أسماء لأماكن متخيلة مثل بيت جنان وبيت امان، والمكان عموما هو المرتكز الأهم الذي تقف عليه روايات ليلى الأطرش، فالشخصيات اكتسبت قيمتها الدلالية من خلال تفاعلها مع المكان الذي تتحرك فيه، وقد عززت الكاتبة فكرة تفاعل الشخصيات مع الأمكنة، فبدت رواياتها وكأنها تدرس الطبائع الإنسانية وآثار ضغوط البيئة عليها، فتعددت صور المدينة في رواياتها، بما ينسجم مع الرؤية التي تنطلق منها، فنجدها مرة مدينة حقيقية وأخرى متخيلة، ومرة مدينة إيجابية جاذبة ومرة مدينة سلبية طاردة للشخصيات، رافضة لأبنائها، كذلك وظفت الكاتبة المكان بنوعيه المفتوح والمغلق بشكل ساعدها على التعبير عن رؤيتها في كل رواية، لذا اختلفت دلالات الأمكنة بين رواية وأخرى.

الزمن بالنسبة للكاتبة ليلى الأطرش هو تراكم التجارب والخبرات والمعارف المكتسبة، ولم يرتهن بوح الرواة في الروايات الست التي يعالجها الكتاب، بلحظة الزمن الأساسي أو تفاعلات الحدث القائم، بل ينسل البوح بعيدا عن اللحظة الراهنة، ويستولد لنفسه زمنا خاصا ينتمي إلى الماضي البعيد نسبيا، ولكنه حاضر نفسيا، ويتخذ حضوره تجليات شعورية فحسب، ولكنها تؤسس لحدث ابعد مما هو شعوري، وهكذا يأتي السرد عندها استرجاعيا، ليكشف عن وعي الذات بالزمن في ضوء تجربة الحاضر الجديدة، حيث تتخذ الوقائع الماضية مدلولات وأبعاد جديدة نتيجة لمرور الزمن.

أما الشعرية في الرواية فتتولد من خلال القوة المجازية، فتتحول الكلمة في النص الروائي إلى إشارة، وتدرس أسماء الزريقات اللغة في روايات ليلى الأطرش من خلال الشعرية وبما يخدم رؤيا النص وتشكيله، فتدرس شعرية العنوان والأسماء والحوار، فالكاتبة حافظت على خصوصية اللغة الشعرية، واختارت عناوين رواياتها وأسماء شخصياتها بدقة بالغة، ولم تعد اللغة عندها ناقلة للمعنى بل أصبحت أداة للاحتمالات الخاصة فيما سكت عنه النص

 

 

 

ميدل إيست أون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى