تحليلات سياسيةسلايد

نتنياهو رهنُ الحسابات «الضيقة»: غزة ليست لبنان

ريم هاني

في أعقاب التوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان، عاد الحديث عن ضرورة إبرام اتفاق مماثل في قطاع غزة إلى الواجهة مجدداً، وهو ما عبر عنه بوضوح جو بايدن، في كلمته التي أعلن فيها عن وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، لافتاً إلى أنّه سيجدد المساعي الديبلوماسية مع كل من قطر ومصر، بالإضافة إلى تركيا، لإنهاء الحرب في غزة.

 

والسبت، وصل وفد من «حماس» إلى القاهرة، لإجراء محادثات مع المسؤولين المصريين بشأن الاتفاق، فيما نقل موقع «أكسيوس» عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله إنّ «إسرائيل لديها مؤشرات إلى أنّ (حماس) أصبحت مستعدة لإبداء ليونة أكبر، بشأن عدد من النقاط الشائكة في المفاوضات، بما في ذلك الجدول الزمني للانسحاب الإسرائيلي من ممر فيلادلفيا، على الحدود بين مصر وغزة»، وإن الحركة تريد أن تلمس، في المقابل، استعداداً إسرائيلياً لإبداء المرونة نفسها. وفي وقت سابق، أخبر بايدن، رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، خلال مكالمة هاتفية، أنه بعد اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، يجب أن يتحول التركيز نحو إيجاد حل في غزة، ليرد عليه نتنياهو بأنّه «سيحاول».

وحالياً، لم يعد يخفى على أحد الدور الذي يمارسه الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، في قضايا السياسة الخارجية لبلاده، حتى قبل توليه مهماته رسمياً، لا سيما أنّه لم تنتج من «مساعي» إدارة بايدن، طوال المدة الماضية، أي نتيجة تُذكر. على سبيل المثال، ناشد المواطن الأميركي، إيدان ألكسندر، المحتجر في غزة، السبت، بشكل مباشر، ترامب، البدء بالتفاوض لإطلاق سراحه، واستخدام «نفوذه وقوة الولايات المتحدة» لتحقيق ذلك، طبقاً لما يظهره مقطع مصور نشرته «حماس». وأخيراً، أكّد السناتور الجمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية، ليندسي غراهام، في مقابلة مع موقع «أكسيوس»، أنّ الرئيس المنتخب يريد أن يرى وقفاً لإطلاق النار وتبادل أسرى في غزة، قبل أن يتولى منصبه في 20 كانون الثاني. وطبقاً لما نقله الموقع عن مسؤولين إسرائيليين، فإنّ إدارة ترامب قد تتبع نهجاً مختلفاً تجاه غزة، تحديداً في ما يتعلق بشكل «اليوم التالي» للحرب. وأدلى غراهام بالتصريحات المشار إليها مباشرة بعد عودته من زيارة للشرق الأوسط، كانت الثانية له خلال الشهر الماضي، والتقى خلالها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ونتنياهو. وتعقيباً على تلك اللقاءات، أكد غراهام أنّ ترامب يحتاج إلى التوصل إلى صفقة قبل أن يتمكن من التركيز على أهداف سياسته الخارجية الرئيسية في المنطقة، مثل التطبيع الإسرائيلي – السعودي والتحالف الإقليمي «ضد إيران». وبحسب «أكسيوس»، فإنّ غراهام هو من المعترضين على مقترحات الوزراء «المتشددين» في حكومة نتنياهو، من مثل وزير المالية، بتسلئيل سموتريش، والذين لا يخفون نواياهم في استغلال وصول ترامب لاحتلال غزة «إلى أجل غير مسمى»، أو «تشجيع الهجرة الطوعية» التي ستقلل عدد السكان الفلسطينين في القطاع «بشكل كبير»، على حدّ تعبير سموترتش.

بين لبنان وغزة

بيد أنّه رغم ما تقدم، يشكك مراقبون في أن يكون الطريق نحو التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة «سالكاً» كما كان في لبنان، وذلك لاعتبارات كثيرة، معظمها على علاقة مباشرة بمصير نتنياهو وحكومته المتطرفة. وفي هذا السياق، تشير صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، في تقرير، إلى أنّه «يُحسب لنتنياهو أنه أدرك حدود استخدام القوة العسكرية الإسرائيلية في لبنان، فيما يبقى السؤال الآن: هل سيدرك قيود القوة العسكرية في قطاع غزة أيضاً؟». وتردف الصحيفة أنّ الصفقة أبرمت في وقت لا يزال فيه من الواضح أنّ «حزب الله»، ورغم «تدهوره بشكل كبير كقوة عسكرية»، بعيد كل البعد عن الهزيمة، ناهيك بهدف «تدميره»، فيما كان لافتاً عدم إصدار الحكومة الإسرائيلية أي تقديرات حول «ضحايا حزب الله»، على عكس ما تقوم به مع «حماس»، ما يشير إلى أن الأرقام «ليست مثيرة للإعجاب بما يكفي للإعلان عنها». وما لا شك فيه، طبقاً لأصحاب هذا الرأي، أن «حزب الله» لديه عشرات الآلاف من الصواريخ والمقاتلين المتبقين لإعادة بناء قدرته العسكرية، كما «من المرجح أن يعود إلى جنوب لبنان، بغض النظر عما ينص عليه اتفاق وقف إطلاق النار». وتتابع الصحيفة أنّه «رغم أن نتنياهو لن يكون قادراً على الاعتراف بذلك علناً، إلا أنه يبدو أنّ الحسابات التي أجراها في السر خلُصت إلى أنّ «إسرائيل يمكنها التعايش مع مقاتلي حزب الله على حدودها»، طالما أنّ الاتفاق قادر على شراء سنوات طويلة من «السلام»، كما حصل لـ17 عاماً بعد اتفاق عام 2006».

ومن هنا، تتساءل الصحيفة الأميركية عن الأسباب التي تحول دون استعداد نتنياهو لإبرام صفقة مماثلة مع حركة «حماس»، وتمسكه، في المقابل، في الخطاب الذي أعلن فيه عن وقف إطلاق النار في لبنان، بمهمة «القضاء» على الحركة، رغم تأكيد القادة الإسرائيليين أنهم غير قادرين على تحقيق تلك المهمة؛ إذ أخبر وزير الأمن السابق، يوآف غالانت، الشهر الماضي، أي بعد وقت قصير من إقالته، عائلات الأسرى الإسرائيليين أنه «لا يوجد شيء آخر يمكن تحقيقه باستخدام القوة العسكرية في غزة». وعليه، وفي محاولة لفهم سلوك نتنياهو، تنقل الصحيفة عن الدبلوماسي الأميركي المخضرم آرون ميلر، قوله في رسالة بالبريد الإلكتروني، إن الصفقة مع لبنان كانت أسهل بالنسبة إلى نتنياهو، «نظراً إلى أنه في غزة، هو يُدرك أن (حماس) لن تفرج عن الأسرى (الإسرائيليين)، من دون تنازلات كبيرة في المقابل، تتمثل في الإفراج عن عدد كبير من السجناء الفلسطينيين المتهمين بقتل إسرائيليين، بالإضافة إلى إنهاء الحرب». وتجنباً لإحداث فوضى في ائتلافه اليميني، الذي يضغط أيضاً في قضايا أخرى مثل آلية حكم غزة بعد الحرب، «يخطط نتياهو للإبقاء على عمليات الجيش الإسرائيلي في غزة لأشهر قادمة».

وتنسحب وجهة النظر المتقدمة على الديبلوماسي الإسرائيلي السابق، ألون بينكاس، الذي أكد في مقابلة تلفزيونية أخيراً، أنّ اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» في غزة، غير مرجح قبل مغادرة الرئيس الأميركي، جو بايدن، البيت الأبيض، في 20 كانون الثاني المقبل، بل إن حظوظه «معدومة»، لافتاً إلى أنّه من المرجح أن نتنياهو سيؤخر الاتفاق حتى يتولى ترامب منصبه، ما سيتيح له تقديم الاتفاق كـ«هدية وبادرة حسن نية» للرئيس الجمهوري.

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى