تحليلات سياسيةسلايد

نتنياهو والشاباك: صراع السلطة والفساد وظلال فشل أكتوبر

حسن لافي

الأزمة اليوم بين بنيامين نتنياهو والشاباك ليست صراعاً على السلطة، بل فرصة أخيرة لإنقاذ ما تبقى من مبادئ “الديمقراطية الإسرائيلية” المزيفة.

 

في مشهد يعكس تصادماً غير مسبوق بين السلطة السياسية والأجهزة الأمنية في “إسرائيل”، تتصاعد أزمةٌ بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وجهاز الأمن الداخلي (الشاباك)، متمثلة برئيسه رون بار، تتجاوز الخلافات الروتينية إلى قلب شرعية القيادة السياسية ومسؤوليتها عن الكارثة الأمنية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

الأزمة، التي تُلامس تحقيقات فساد وارتباطات خارجية، قد تُعيد تشكيل المشهد السياسي الإسرائيلي، وتكشف عن ثغرات خطيرة في بنية “الدولة الأكثر أمناً في الشرق الأوسط.

بعد اغتيال رئيس الوزراء إسحاق رابين عام 1995 على يد متطرف يهودي، شهد جهاز الشاباك تحولات جذرية، أبرزها تعيين عامي ايالون كأول رئيس للجهاز من خارج صفوفه، في خطوة رمزية لاستعادة الثقة بعد فشل استخباري مروّع. لكنّ العقدين الماضيين شهدا عودة لتعيين قيادات من داخل الجهاز، لكن نتنياهو يحاول في ضوء فشل السابع من أكتوبر إسقاط رئيس للشاباك من خارجه كرسالة تأكيد على ضرورة إصلاحات جذرية داخل الشاباك، وتحميله الفشل الكامل عن السابع من أكتوبر،  الأمر الذي سارع رون بار بخطوة استشارية نفيه وقال إن إقالته ليست مرتبطة بفشل السابع من أكتوبر.

تعقيدات القضية لم تتوقف عند ذلك، لكن مع تفجر قضية “قطر غيت” الحالية.

في هذه القضية، يُحقق الشاباك في شبهات تلقي مسؤولين في مكتب نتنياهو ملايين الدولارات من قطر عبر وسطاء، مع إشارات إلى تورط نتنياهو نفسه. الأمر لا يتعلق بفساد مالي فحسب، بل بسياسة أمنية كاملة: فالاتهامات تربط بين التمويل القطري واستراتيجية “احتواء حماس” التي انتهجتها حكومة نتنياهو لعقدٍ كامل، والتي يُعتقد أنها ساهمت في تمكين الحركة من تنفيذ هجوم 7 أكتوبر المدمر.

فمنذ 2018، سمحت “إسرائيل” بتمويل قطر لغزة، بحجة “منع الانفجار الإنساني”. لكن الوثائق التي كشفها تحقيق “قطر غيت” حتى الآن، تشير إلى أن هذه السياسة لم تكن بريئة: فالشبهات تدور حول أن التمويل القطري لم يذهب فقط لـ”تهدئة غزة”، بل كان جزءاً من صفقة غير معلنة لضمان استمرار هدوءٍ مؤقت يخدم بقاء نتنياهو في السلطة، بينما تبني حماس جيشاً تحت الأرض.

هنا، يصبح الفشل الأمني في 7 أكتوبر جريمة مُركبة: ليس فقط إهمالاً استخباراياً، بل نتيجة منطقية لسياسةٍ مبنية على مصالح فاسدة، بحسب الاتهامات. هذا الربط يضع نتنياهو في موقفٍ لا يُحسد عليه: فالمساءلة لا تعني إقالته فحسب، بل تحميله مسؤولية تاريخية عن أكبر هزيمة عسكرية لـ”إسرائيل”.

ولذلك، بدل مواجهة الاتهامات، اختار نتنياهو الهجوم كأفضل وسيلة للدفاع، بتصعيد الأزمة مع الشاباك، ويحوّل النقاش من “لماذا فشلت الدولة في حماية مواطنيها؟” إلى “هل الأجهزة الأمنية تُحارب الحكومة المنتخبة؟”. خطته تعتمد على:

  1. 1. تسييس عمل الشاباك: تصويره كجهاز “غير محايد” يخوض معركة سياسية ضد اليمين، مستفيداً من سردية “الدولة العميقة” التي روّجها نتنياهو لسنوات.

 

  1. 2. حشد اليمين المتطرف: بتأطير الأزمة كـ”هجوم على شرعية الحكومة”، يعيد نتنياهو توحيد قواعد اليمين حوله، مستغلاً خطاباً شعبوياً يمجّد “السلطة المنتخبة” مقابل “النخبة البيروقراطية”.
  2. 3. إرباك التحقيقات: أي محاولة لإقالة رئيس الشاباك الحالي “رونين بار” ستُشعل معركة قانونية مع المستشارة القضائية للحكومة “غالي باهاراف-ميئارة”، ما يؤخر التحقيقات ويخلق ضبابيةً إعلامية.

في مواجهة محاولات نتنياهو تعطيل التحقيقات، تبرز المؤسسات القضائية كحصنٍ أخير ضد الانزلاق الكامل نحو دولة الفساد، فقرار إقالة رئيس الشاباك سيُطعن فيه فوراً أمام المحكمة العليا، التي قد تُبطله باعتباره تدخلاً سافراً في عمل جهاز أمني مستقل أثناء قيامه بتحقيقات ضد من أقاله،  الأمر الذي يفتح الباب واسعاً لمصطلح تضارب المصالح الذي سيجعل قضاة المحكمة العليا بسهولة يلغون قرار الإقالة.

أما إذا نجح نتنياهو في تفكيك شرعية الشاباك، فقد يُنهي ذلك أي مساءلة مستقبلية لفساد النخبة السياسية، ويحوّل “إسرائيل” إلى نموذجٍ لدولة يُحكمها تحالف السياسيين والفاسدين، الأمر الذي يضع “إسرائيل” على مفترق طرق،

فالأزمة ليست مجرد صراع بين رجلين، بل هي اختبارٌ لمصير الدولة الإسرائيلية:

– خيار المواجهة: إذا كشفت التحقيقات تورط نتنياهو، فقد تشهد “إسرائيل” انتفاضةً شعبية وقضائية تُطيح رمز اليمين التاريخي، وتُعيد الاعتبار إلى مؤسسات الدولة.

خيار التمويه: إذا نجح نتنياهو في تسييس الأزمة، فستصبح “إسرائيل” دولةً بلا رقابة، حيث الفسادُ أداة حكم، والأجهزة الأمنية أدوات انتقام.

الكارثة الأمنية في 7 أكتوبر كشفت أن “الاستثناء الإسرائيلي” – ذلك الوهم بالقوة التي لا تُقهَر – قد انتهى. اليوم، الأزمة بين نتنياهو والشاباك ليست صراعاً على السلطة، بل فرصة أخيرة لإنقاذ ما تبقى من مبادئ الديمقراطية الإسرائيلية المزيفة.

إذا نجحت المؤسسات في كشف الفساد، فقد تكون “إسرائيل” أمام فرصةٍ تاريخية لإعادة بناء نفسها. أما إذا انتصر التمويه، فسيُكتب لها أن تُدفن تحت أنقاض أوهام قادتها الفاسدين.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى