نتنياهو يُنهي حقبة الجنرالات وغانتس أطلق رصاصة الرحمة: المعارِك ضدّ العرب في ميادين الحروب تختلِف جوهريًا عن السياسة رغم أنّ المجتمع الإسرائيليّ ما زال مسحورًا بقادته العسكريين
يدور النقاش الداخليّ في إسرائيل حول فشل الجنرالات السابقين في جيش الاحتلال لدى انتقالهم من الحياة العسكريّة إلى الحياة المدنيّة-السياسيّة، ويحتدِم هذا النقاش على وقع فشل حزب (أزرق-أبيض) وتأكيد الاستطلاعات الأخيرة أنّه لن يتمكّن من عبور نسبة الحسم في الانتخابات القريبة، التي ستجري في آذار (مارس) القادم.
حزب (أزرق-أبيض)، الذي ظهر قبل عاميْن تقريبًا كان الأمل الوحيد لما يُطلق عليه المركز في الدولة العبريّة لإطاحة بنيامين نتنياهو من رئاسة الوزراء، ولكنْ قادته الجنرالات السابقين: بيني غانتس، غابي أشكنازي وموشيه يعالون، فشلوا فشلاً مدويًا في تقديم البديل عن نتنياهو، الأمر الذي أدّى إلى انقسام الحزب على نفسه، ومن ثمّ هروب المصوتين والمؤيّدين له، وكانت ذروة الإخفاق عندما انضمّ الحزب المشردم إلى الحكومة بقيادة نتنياهو في شهر أيّار (مايو) من العام الماضي، ليكون الانضمام بمثابة رصاصة الرحمة التي أطلقت على الحزب، أوْ الرصاصة التي أطلقها القادة على أنفسهم وحزبهم.
مُحلّل الشؤون السياسيّة في هيئة البثّ العامّة الإسرائيليّة، يارون ديكيل، استعرض ليلة أمس الجمعة خلال برنامج الأخبار ظاهرة فشل الجنرالات بالحياة السياسيّة وجزم أنّهم جميعًا، باستثناء إسحاق رابين، أخفقوا عندما انتقلوا إلى المعترك السياسيّ، مؤكّدًا أنّهم يجِدون صعوبةً كبيرةً في التأقلم مع فنّ السياسة، علمًا أنّهم قضوا سنوات عديدة في الجيش وأصدروا الأوامر لعشرات الآلاف من الجنود والضبّاط، لافتًا إلى أنّ الحياة السياسيّة تختلِف كثيرًا عن العسكريّة.
ديكيل أضاف أنّه يُمكِن الجزم، بعد تجربة حزب (أبيض-أزرق)، بأنّ انخراط الجنرالات في الجيش فشل فشلاً مدويًا، وأنّ هذا العهد انتهى، ربمّا إلى غير رجعةٍ، مُشيرًا في ذات الوقت إلى أنّ الجنرال احتياط غادي آيزنكوط، رفض العروض التي قُدِّمت له أخيرًا للانضمام للمعترك السياسيّ، وأكّد الجنرال المتقاعِد أنّ إسرائيل تمُرّ في فترةٍ حرِجةٍ للغاية، وأنّه يُفضِّل آنيًا البقاء على دكّة الاحتياط، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى التساؤل: ما دام الوضع صعبًا، فلماذا فضّل آيزنكوط الابتعاد عن الـ”لعبة السياسيّة”؟ ولمَ لم يقفز إلى الماء لإنقاذ إسرائيل من ورطاتها السياسيّة والاقتصاديّة والأخرى.
وفي السياق عينه، يُشار إلى أنّ نتنياهو، ورغم فشل الجنرالات في الإطاحة به، يدأب بصورةٍ منتظمةٍ على تذكير الإسرائيليين بماضيه العسكريّ، وهو الذي كان يخدم برتبة ضابطٍ في الوحدة المُختارة (ساييريت مطكال)، كما أنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ لا يُهدِر فرصةً دون التباهي بأنّ شقيقه يوني نتنياهو، قُتِل في عملية عنتيبي في أوغندا عام 1976. بناءً على ذلك، توصّل المُحلّل ديكيل إلى نتيجةٍ مفادها أنّ الخلفية العسكريّة للمرشحّين مؤثرةً جدًا على الناخبين في إسرائيل، وأكبر دليل على ذلك، أنّه في الانتخابات الأخيرة حصل حزب الجنرالات (أبيض-أزرق) على 33 مقعدًا، في حين حصل منافسه حزب (ليكود) بقيادة نتنياهو على 36 مقعدًا، أيْ أنّ الفارق بينهما كان ثلاثة مقاعد فقط في الكنيست الإسرائيليّ.
بكلماتٍ أخرى، المجتمع اليهوديّ-الإسرائيليّ كان وما زال مسحورًا بقادته العسكريين، ولكنّهم يفشلون عندما يصلون إلى المراتب العليا، أيْ أنّ عسكرة الانتخابات هي ظاهرة رائجة في إسرائيل، ولكنّ المعضلة تظهر جليًا عندما يبدأ القادة السابقين بالعمل على تنفيذ برامجهم ليكتشفوا بأنّ الحياة السياسيّة شاقّةً جدًا، ولا يشفع لهم في ذلك ماضيهم العسكريّ الحافِل.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أنّ إيهود باراك، الجنرال الذي حصل على أكبر عددٍ من الأوسمة في تاريخه العسكريّ تبوّأ منصب رئيس الوزراء لمدّة عاميْن اثنيْن فقط (1999-2001)، وخسر الانتخابات لصالح الجنرال أرئيل شارون، باراك، الذي بات اليوم الأشّد معارضةً لنتنياهو، كان وزيرًا للأمن في حكومة نتنياهو، وانتقل من حزبٍ لآخرٍ حتى استقرّ في الحياة المدنيّة وبات من أشهر رجال الأعمال، وتحديدًا في تجارة المخدرّات القانونيّة من نوع (كنافيس).
وعلى الرغم من أنّ ظاهرة العسكر في الخارطة السياسيّة الإسرائيليّة كانت وما زالت تجربةً فاشِلةً وفق كلّ المقاييس والمعايير، إلّا أنّ المُحلّل ديكيل أكّد أنّ الجنرالات السابقين ما زالوا سلعةً مطلوبةً لدى جميع الأحزاب الصهيونيّة في إسرائيل، لأنّ المجتمع اليهوديّ بالدولة العبريّة يعشق الجنرالات ويعتبِر الجيش بقرةً مُقدّسةً.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية