نجوم الأغنية العربيّة: زمن التقشّف

طارق العبد – «تخرّج» برامج الهواة كلّ عام، عشرات المواهب الفنيّة. فورة لا تتسق مع واقع السوق الغنائي، إذ أنّ الإصدارات الفنيّة تراجعت بشكل ملحوظ، سواء لناحية إنجاز ألبومات غنائيّة، أو تصوير كليبات، أو إحياء حفلات. مع تزايد حالة القرصنة وانتشار مواقع تتيح الاستماع المجاني للأغنيات، أصبح إصدار ألبوم غنائياً، أمراً يحتاج إلى إعادة النظر، والتريّث. وإن صدر العمل، تقتصد شركات الإنتاج في عدد النسخ المطبوعة منه، في حين يفضّل مغنّون كثر إنتاج أعمالهم بأنفسهم.

«يوتيوب» بديلاً عن الألبومات

نظرة سريعة على إصدارات هذه السنة، حتى منتصف شهر آب/ أغسطس الحالي، تكشف أنَّ عدد الألبومات الغنائية الصادرة بلغ 19 ألبوماً، منها لصابر الرباعي، ولطيفة، ونانسي عجرم، وجواد العلي، وهبة طوجي، واليسا، وحاتم العراقي، وهاني شاكر، ووائل جسار. كان لشركة «روتانا» حصّة الأسد من تلك الإصدارات، بينما فضل بعض النجوم إنتاج أعمالهم بأنفسهم مثل جوليا، ونانسي عجرم، وهاني شاكر.
في المقابل، أصدر بعض مغني الصفّ الأوّل، أغاني منفردة مثل نجوى كرم، ونوال الزغبي، وراغب علامة، وحسين الجسمي (أصدر آخر البوم العام 2010). على سبيل المثال، يقوم الأخير بإطلاق أغانيه عبر الإذاعات، أو على موقع «يوتيوب»، لتحقق انتشاراً واسعاً، يتقاطع مع اختيارات تبدو ذكية لناحية توقيت إصدارها. هكذا أصدر أغنية «بشرة خير» تزامناً مع الانتخابات المصريّة، لتحقّق أكثر من 34 مليون مشاهدة عبر «يوتيوب»، بينما فاقت مشاهدات أغنيته «حبيبي برشلوني» العشرين مليوناً، على الموقع نفسه.
ربما يؤمّن الفضاء الافتراضي انتشاراً للأعمال الغنائيّة، إلا أنّ العائد المادّي ينكمش عاماً بعد عاماً. فسوق الكاسيت يتراجع، رغم تخفيض الأسعار، ما دفع بشركات الإنتاج والمغنين إلى التقليل من عدد النسخ المطبوعة، لتقليص تكاليف العمل الغنائي التي تتجاوز مليون دولار بالنسبة لنجوم الصفّ الأوّل. ذلك من دون كلفة الفيديو كليب التي تتراوح بين 50 و500 ألف دولار، بحسب الفكرة، ومواقع التصوير وأجور المخرجين خصوصاً إن كانوا «صف أوّل» بدورهم. كما صار إنتاج الفيديو كليب يحتاج إلى وجود رعاة، سواء إحدى ماركات السيّارات أو المجوهرات أو الساعات إلخ..

لا مكان للحفلات

فرضت السنوات الثلاث الأخيرة تغيراً في خارطة الحفلات في الوطن العربي، فلم يعد في سوريا مكان للفرح، ولحق بها العراق. بذلت تونس جهوداً حثيثة لإعادة حفلات قرطاج إلى ما كانت عليه، وتردَّد بعض النجوم في التوجّه إلى مصر، خصوصاً خلال حكم الإخوان، وما تلاه. بقي الخليج والمغرب والجزائر والأردن بوضع أكثر أماناً، ما سمح لهذه الدول، ومعها لبنان نسبياً، باستقطاب أكبر عدد من الفنانين لإحياء الحفلات سواء في المهرجانات، أو في صالات مغلقة، وإن على نطاق محدود. تشكل تلك الحفلات فرصة المغنّين للترويج لأعمالهم، بينما ترتفع الأجور لتصل في بعض الأحيان إلى أرقام خيالية.
يعدّ عمرو دياب ومحمد منير الأعلى أجراً بين جميع الفنانين العرب، إذ يتقاضى كل منهما تقريباً 250 ألف دولار عن الحفل الواحد. يحل سلطان الطرب جورج وسوف ثانياً 200 ألف دولار، بينما يبلغ أجر تامر حسني 125 ألف دولار، ومحمد عبده 100 ألف، ويصل أجر أحلام إلى رقم مماثل، بينما يتراوح أجر ماجد المهندس، وعاصي الحلاني، وحسين الجسمي، وكاظم الساهر، واليسا، ونجوى كرم بين 50 و80 ألف دولار. تسجّل بعض الحفلات حضوراً كاملاً، مثل حفلات محمد عبده، ومحمد منير، وعمرو دياب… لكنّ ذلك لا ينسحب على باقي المغنّين، إذ أنّ حفلات مهرجان قرطاج لم تحقق الإقبال الجماهيري المطلوب.

منجم برامج الهواة

رغم ركود السوق، تفتح برامج الهواة خزائنها لنجوم الأغنية. ورغم قدم التجربة، إلّا أنّ السنوات القليلة الماضية، أعادت تركيب مختلف لجان الحكم، بحيث تضم معظم المطربين البارزين على الساحة. ضمن هذه المعادلة، انتزعت «أم بي سي» موقع الصدارة، واستأثرت بنجوم مثل وائل كفوري، وأحلام، ونجوى كرم، ونانسي عجرم، وكاظم الساهر، وشيرين عبد الوهاب، وصابر الرباعي، وعاصي الحلاني… ذلك ما سمح لها برفع نسبة مشاهدة برامجها بشكل كبير. في المقابل، رفع مختلف النجوم أجورهم من دون تبيان الأرقام الحقيقية، مع تكتم كلا الطرفين عن الرقم الحقيقي. ومع غياب برامج الهواة عن الشاشات الأخرى تقريباً، يبدو أنّ «أم بي سي» باتت «توظّف» شريحة لا يستهان بها من نجوم العالم العربي.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى