نحن مؤسفون
نحن مؤسفون… “هناك من لا يساوي شيئاً يجعلنا ندفع غالياً “
__________________________________________
ـ الكلمة ـ
هبوط مستوى الكتابة يرجع، في أغلب التواريخ، إلى صعود مستوى الحدث. ويصحّ في الكتابة العربية، تحت القصف، أو فوق الأنقاض،… يصحّ القول: “إن الطلقات، هذه المرة، سوف تخرج ليس من فوهة البندقية…بل من أخمصها”.
نحن لم نتعود على أن للكلمة قوة العقد بين كاتبها وقارئها. الأول “يصدق” ،والثاني “يصَدق”… ويصبح الكتاب سيداً، والكتابة سيدة .
والكلمة شكل اتزان العقل والانحياز إليه، وأنها بنت ذاكرة مشتركة لها صوت، وإنها إصغاء مكتوب، وانها إحدى أهم حراس المشترك العام في الحيز البشري الواحد…
ولكن الكلمة ،أحياناً، تدير مؤسسة للصمت. واحتفالاً للخرس العام، وترتدي لباساً موحداً، ويصبح الهمس لغة:
في الحرب تصبح الكلمات خرساء من فرط مدافع الآخرين.
ـ إصابات ـ
نحن مصابون بالأمبيديا (مرض الفكرة المغشوشة عن الذات).
نحن طغاة صغار، حين نصبح مسؤولين، ومتسولو اهتمام عندما تتركنا الوظيفة العامة.
نحن أولاد نرجسية وطنية وقومية، ولكن، عند الامتحان، نعود إلى النوع الخسيس من المرايا… إلى العشيرة والقبيلة والعائلة، وحيز الحيوان الجغرافي.
نحن مصابون بذكاء الفرد، وغباء الجماعة، وتشوهات “زواج العقارب”. ومصابون بمرض “الذل عن بعد”، حيث ينتصر علينا أي أحد، بالحرب النفسية، ويختمها بالحرب العسكرية، ويحصدها بالنتائج الاقتصادية…
نحن شعوب تمنح نصر العدو مكافأة أكبر من هزيمتها.
نحن من يعتبر “الهزيمة والوليمة” من جذر لغوي واحد.
نحن مصابون بإيدز الخلاف على التسمية: هل الإيدز مرض المناعة المكتسبة، أم مرض الوصال العابر؟… والجدال لكي نصنف النوع في فقه الأديان.لا لكي يشفى المصابون .
نحن…غير ميؤوس منا تماماً وإلى الأبد…
فذات يوم سنقرر أن نعيد تعريف أنفسنا….
فالهويات لا تنتظر إلى الأبد !
ـ حاجات ـ
نحن في حاجة إلى الغش في الامتحانات، من أجل أن يزداد عدد العباقرة في بلادنا، فنصبح يابانيين في الصناعة، وصينيين في الزراعة، وتايوانيين في الألكترونيات ، وإسرائيليين في المفاوضات، وإنكليزاً في مغادرة مقعدنا في الاتحاد الأوروبي، عبر الاستفتاءات.
نحن في حاجة إلى إسلام ما بعد الكارثة، وليس إسلام ما قبل التاريخ. إسلام بسيط: جامع صغير، وجمعة حزينة، وحوله سوق وشرفات وبيوت تطل على الشطارة والتجارة وعودة الأزواج سالمين.
نحن في حاجة إلى حاضر، لا إلى مستقبل.
نحن في حاجة إلى “قلة أدب” وليس إلى كثرته.
قلة أدب تقود إلى فضيحة، ونبش أسرار، وزواج بلا كهنة .
نحن في حاجة مصارحات فاجرة ، وليس إلى مصالحات قاهرة…وإلى ذكور برجولة ، وليس إلى فحول…لتخصيب البربرية في زمن لقمة الحرب المغمسة بالدم.
“نحن في حاجة (كما قال محمود درويش) إلى نثر إلهي لينتصر الرسول”.
نحن مؤسفون الى هذا الحد؟!
تقريبا … تقريبا يا مولاي .