نحن نحتاج إلى أن نتكلّم فلسطينياً(فتح وحماس)
توصَّلت كلٌّ من حركتي “فتح” وحماس” إلى أنَّ مقاربة إتمام المصالحة بينهما فشلت على مدار 15 عاماً، رغم كلّ الجهود التي بذلها الجميع، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى ذهابهما إلى مقاربة جديدة لإنهاء الانقسام، من خلال إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني على التوالي، لكنَّ هذه المقاربة زادت في حقيقة الأمر المشهد الفلسطيني تعقيداً، فبعد أقل من يوم واحد من إغلاق فترة ترشيح القائمات الانتخابية للمجلس التشريعي، والتي وصل عددها إلى 35 قائمة انتخابية، أشارت قراءة المشهد الفلسطيني الجديد إلى أن الحالة الفلسطينية ذاهبة إلى انقسامات جديدة قد تكون أكثر عنفاً من الانقسام السابق، وأنها وصلت إلى داخل حركة “فتح” نفسها.
ولكنَّ الأخطر في مقاربة الانتخابات أنَّها خلقت ساحة معركة داخليّة فلسطينيّة – فلسطينيّة جديدة، بعيداً من المعركة الحقيقية مع التهويد والاستيطان والاحتلال الإسرائيلي. ورغم ما نشره موقع “واللا” العبري من تصريح لمسؤول عسكري إسرائيلي يحذر من أن “الانقسام داخل حركة “فتح” سيفتح الباب أمام تصعيد العمل العسكري في الضفة الغربية”، فإنَّ القراءة المتمعنة في الموقف الإسرائيلي مما يحدث تشير إلى أن “دولة” الاحتلال مستريحة جداً لهذا الوضع، وأن ما تخطّط له لشرذمة الكيانية الفلسطينية في الضفة الغربية أينعت ثماره، وأنّ هذا التصريح الصادر عن المؤسّسة العسكرية الإسرائيلية يفتح الباب أمام انهيارات أخرى داخل الضفة الغربية لخدمة المخطّط الإسرائيلي، ولكن “إسرائيل” بدأت تنأى بنفسها من الآن عن تحمل المسؤولية، وأخذت تلقي بها على أكتاف الفلسطينيين، مع احتفاظها بقدرتها على إفشال تلك الانتخابات أو منع إجرائها من الأساس.
نحن نحتاج إلى أن نتكلَّم فلسطينياً، في ظلّ هذا المشهد الفلسطيني المضطرب، بعيداً عن اللغة الحزبية والفصائلية، لنطرح السؤال المركزي والحقيقي: ما هو المخرج الحقيقي من الأزمة؟ وكيف نحقّق ذلك؟
نحن نحتاج إلى أن نتكلَّم فلسطينياً، ونوصّف الحالة بعيداً من حساسيات الانقسامات الفلسطينية، مع إدراكنا التام أنّ الجميع لديه مبرراته ويمتلك الشماعة التي سيعلّق عليها ما وصل إليه، لكنَّ ذلك لا يعفي أحداً من مسؤولية ما وصلت إليه الحالة الفلسطينية.
الحركة الوطنيَّة المتمثلة في “فتح” في تراجع منذ اتفاق “أوسلو”. برز ذلك في عدّة محطّات، أهمها انتخابات العام 2006 وما حدث من انقسام بعدها. وبدلاً من أخذ العبر وتصويب المسار، رأينا انقسامات أكبر داخلها، الأمر الذي أوجد 3 قائمات انتخابية تمثل حركة “فتح” في انتخابات المجلس التشريعي 2021.
لم يستطع اليسار الفلسطيني بناء جبهة يسار موحّدة مشتبكة ومتفاعلة مع مطالب الشعب المتألم من الانقسام والحصار والاحتلال. أما الحركات الإسلامية، ورغم ما تحمله من انضباط تنظيميّ وقدرات جماهيريّة، فإنّها لم تنجح في أن تتحوَّل إلى حالة البديل الحقيقي، بحيث يجد الوطني واليساري وكلّ أطياف الحالة الفلسطينيّة أنفسهم جزءاً من تياره الإسلامي، وخصوصاً مع تولي حركة “حماس” الحكم وظهور بعض أمراض السّلطة في الجسم العام. أضف إلى ذلك أنَّ المهمة في أساسها شبه مستحيلة، مع رفض إقليمي ودولي للتعامل معها كحالة شرعية في النظام السياسي الفلسطيني المؤسَّس على اتفاقية “أوسلو” في الأصل.
نحن نحتاج إلى أن نتكلّم فلسطينياً من أجل الخروج من المأزق الفلسطيني، وإلى أن لا نبقى نراوح في مستويات التحليل والتوصيف. لذلك، إن الحل، في اعتقادنا، يكمن في ولادة تيار شعبي فلسطيني عابر للإيديولوجيا، يتفق الكل الفلسطيني في داخله على مرتكزين أساسيين كبرنامج وطنيّ:
أولاً، الحفاظ على الإنسان الفلسطينيّ وقدرته على الصمود والمجابهة أمام كل الخطط الصهيونية الهادفة إلى اقتلاعه من أرضه، وخصوصاً في الضفة الغربية، وتحصين الفلسطيني من كلّ محاولات الاستلاب الفكري الهادفة إلى زرع القيم الاستهلاكية الفردانية في عقل الفلسطيني، بعيداً من الهم الوطني وقضاياه الكبرى.
ثانياً، الإبقاء على القضية الفلسطينية في مربع التحرر الوطني، من دون تفريط في ثوابتها الوطنية بأي شكل وبأي صورة، وعلى رأسها حق العودة والقدس العربية الموحّدة، وإبقاء جذوة الصراع مع الاحتلال الصهيوني مشتعلة، من خلال عدم التفريط في حق الفلسطيني بمقاومة الاحتلال بكل الوسائل والأشكال.