مساحة رأي

نداء عاجل لحماية اتحاد الكتاب العرب من نفسه

عماد نداف

يحق لي أن أرفع الصوت للحفاظ على وحدة اتحاد الكتاب العرب وسلامة أدائه، لأنني واحد من الذين فعلوا ذلك، في ظل النظام البائد، بمصداقية أداء، ومن دون خوف. ويعرف الجميع وجهة نظري التي جاهرت بها أكثر من مرة حتى بوجود الدكتور مهدي دخل الله الموفد من القيادة القطرية في المؤتمر السنوي، وعلقت على كلمته الافتتاحية، بالقول: إنك تتحدث باسم القيادة التي لا نلتقي بأحد منها، وتدعو إلى دعم السياسة السورية، وضرورة قوة الدولة والاقتصاد والثقافة والمجتمع، لذلك من حقي أن أسألك لماذا تدمرون السياسة والاقتصاد والثقافة والمجتمع، ويومها ارتفعت أصوات الكثيرين من أعضاء المؤتمر تؤيدني، وسألني: هذا اتهام فأجبت بنعم!

هذا يعني أننا أعضاء اتحاد الكتاب، لم نصمت ونحن داخل البلاد وتحت سطوة القمع، ورغم وجود انتهازيين وفاسدين بيينا، كنا نشير إلى ذلك، وندعو إلى العمل بأسس سليمة في قبول الأعضاء أو الموافقات على النشر.

لقد قدر الله أن تعيش البلاد أكثر من ستين عاماً تحت حكم البعث وآل الأسد، لكن الغيمة السوداء انقشعت، وهذا يعني تلقائيا، أن يبادر جميع الأوفياء للعمل على درء المخاطر عن سورية، ويشمل ذلك كل قطاعات الدولة ، ويتطلب العقلانية، وعدم الكيدية، وتوحيد الصف من أجل إصلاح ما تبقى ، وبناء ماتهدم.

إبان الحقبة الماضية، لم يكن أعضاء اتحاد الكتاب من عجينة واحدة ، رغم القمع الذي كان سائداً ومخيفاً، كان هناك إخوان مسلمون وشيوعيون وناصريون ومستقلون وعبثيون إضافة إلى البعثيين، لكنهم كانوا مثقفين لا يمكن إخراجهم من شريحة الثقافة الوطنية، اللهم إلا إذا استثنينا بعض الأعضاء الذين فرضوا على الاتحاد، أو تسللوا إليه لمكاسب خاصة.

ولمن لا يعلم، فإن رفض عضوية أي كاتب مدعوم من السلطة أو رفض مخطوط كتابه، كان يعني أحيانا تدخلا من فوق، وخاصة إذا اشتكى ، وقد تمكن الاتحاد في الأعوام الأخيرة قبل سقوط النظام من الحد من تدخل قيادة البعث، على الأقل بمسألة إنهاء (الاستئناس الحزبي) التي كانت خيمة مظلمة على الخيارات الحرة المتاحة لقيادة الاتحاد.

كل ذلك مضى، ونحن أولاد اليوم، بعد ثورة اختلطت فيها الدماء منذ عام 2011 وصولا إلى الثامن من كانون الأول 2024، وهذا يعني أن يعود الكتاب إلى اتحادهم، ويبادر الذين شكلوا روابط واتحادات موازية إلى الانضمام للحضن، وأن يستبدل الصمت أو الثرثرة بالحوار الواضح والأمين، فما حصل في يوم التحرير لم يكن يعني أبدا أن المرحلة هي تبادل أدوار، ولم يكن يعني كم الأفواه، كان يعني إسقاط كل القوى والأفكار التي وأدت أي طموح للشعب ونخبه وقواه الحرة.

هكذا فهمنا نحن إسقاط النظام ، وهكذا عبرت القيادة في جوهر الوثيقة الدستورية، ومؤتمر الانتصار، وعندما جرت الحوارات المتعلقة بمرحلة مابعد السقوط، شارك الجميع فيها، وعندما انحصرت في المكتب التنفيذي القديم والجديد (تسيير الأعمال) شاركتُ في بعضها، وكانت وجهة نظري هي العمل المشترك من أجل عقد مؤتمر استثنائي في أقرب وقت ينظم أداء الاتحاد في المرحلة التالية، وطالبت بمشاركة الجميع بإيجاد الصيغة الجديدة التي تنظم عمل الاتحاد، وتمت الموافقة بالتراضي، ثم اتجهت الأمور باتجاه آخر..

تغير اتحاد الكتاب العرب، تراجعت أنشطته، ظهرت آليات عمل جديدة لا تتوافق مع أنظمته (الرواتب والأنشطة والنشر)، ثم فوجئنا بنوع من المقاطعة بين القيادة والكتاب، وتم تعيين موظف طويل عريض متجهم الوجه يقف على باب رئيس الاتحاد ويمنع الدخول إلا بإذنه، وكأن الكتاب مراجعين يريدون وثيقة لاحكم عليه من هذا الموظف!

هذا لايليق أبدا بمنظمة نقابية ثقافية، وهذا لم يكن موجودا في عرف الثقافة والمثقفين أياً كان اتجاههم. فانكفأ الكتاب، وتراجعت النشاطات وتراجع الحوار، وتحولت صفحات الفيس بوك إلى منابر ثقافية لجدل عقيم لايصب في صالح النخبة المثقفة أبدا.

لابد هنا من إعادة طرح وجهة نظري التي أعتقد أن بدايتها تكمن في وقف السجال على وسائل التواصل، وتحويله إلى ندوات حوارية مفتوحة، أي وقف حملات التشهير من قبل أعضاء الاتحاد، ثم السعي للإعداد الجيد والتشاركي لعقد المؤتمر الاستثنائي، الذي يعطي الحق للجميع بالحضور والحوار والتصويت، وفق معايير جديدة، ويمكن أن نقتبس آليات اتبعتها القيادة للتعامل مع الثوار الذين سيدخلون الجيش، فمن كان عضوا في الروابط المستحدثة يصبح عضوا في الاتحاد حكما وتحتسب سنوات القدم حسب سنوات انتسابه خارج سورية، ثم يشارك بعضوية المؤتمر ويحق له الترشح والانتخاب عملا بالنظام الجديد الذي سيتم إقراره.

ومع أن القيادة نبهت إلى أن سورية أنهت مرحلة (الثورة) وبدأت ببناء الدولة، فإن أداء المؤسسات يستمر في استخدام حق الشرعية الثورية لتجاوز قرارات الحكومة الانتقالية التي وجهت بنفاذ القوانين المرعية حتى تغييرها.

نحن في اتحاد الكتاب بحاجة إلى نظام داخلي وإلى تقرير يحدد هوية الاتحاد ويشرح الهوامش المتاحة فيه للاختلاف، وبحاجة إلى ميثاق ثقافي جديد يوضح علاقتنا مع وزارة الثقافة، ونحتاج بهذا الصدد إلى آليات لصياغة هذا الميثاق تأخذ بعين الاعتبار وقائع وأحداث ومستجدات وتجارب السنة التي مرت بعد الاسقاط.

كما أننا بحاجة إلى لوائح مالية جديدة لا تخلق فوارق بين الأعضاء وتأخذ بعين الاعتبار حجم الموارد لكي لا يصل الصندوق المالي إلى الإفلاس. أقيمت مهرجانات بتكلفة عالية فاقت المئة ضعف من التكلفة القديمة، فهل حققت إنجازا إضافيا واحدا؟

أما بالنسبة للفصل والقبول ، فالمسألة واضحة ولا تحتاج إلى اجتهادات فردية، لا يمكن فصل أي عضو إلا وفقا للائحة التنظيمية، وكلنا يعرف ردود الفعل التي تمت على فصل (عضو فخري للاتحاد) التي ذكرتنا بما قالته الصحافة العربية والعالمية يوم تم فصل أدونيس لمشاركة في مؤتمر دولي لا ترضى عنه السلطات، لقد سخروا منا وقالوا إن أدونيس يفصل اتحاد الكتاب العرب..

كان يمكن طرح صيغة أخرى للتعامل مع الكاتب حسن م. يوسف، الذي لم يكن عضوا في الاتحاد، بل إن الاتحاد ذهب إليه وتحرش به وطبع له الأعمال الكاملة ومنحه العضوية الفخرية، وهو لم يزر الاتحاد إلا مرة أو مرتين.

التأني كان سيحصن الاتحاد من صخب النقد والتهويل، ويبقيه في دوره الثقافي بما يخدم المرحلة الجديدة، أما الحالات المتعلقة بارتكاب جرائم بحق الشعب السوري، فيفترض أن لايعترض عليها أحد بل يجب محاسبة العضو عليها (رفعت الأسد مثلا)، ويفترض أن نكون كلنا معها..

أيضاً توقفت الأنشطة، ثم توقفت الاجتماعات الأدبية للجمعيات، ثم توقفت الإصدارات، ثم بدأت احتجاجات على رئيس الاتحاد من قيادة الاتحاد، ورئيس الاتحاد الحالي الدكتور أحمد جاسم الحسين هو من الذين عاصروا مشاكل الاتحاد ويعرفها، ولم يكن هناك مايدعو إلى توسيع  دائرة الصخب إلى الروابط التي تشكلت إبان الثورة..

ما الذي يجري ياشباب، هل نحن ذاهبون إلى الحرب، وينبغي أن نطلي مصابيحنا باللون الأزرق؟!

الحل في الشروع بالاعداد الجيد للمؤتمر العام الاستثنائي، الذي يحل كل هذه المشاكل ، وفي هذه الحالة يكون الاتحاد قد التحق بركب الدولة الجديدة، وهي تستكمل أدواتها في المرحلة الانتقالية، وعلى الاتحاد أن يسارع إلى استكمال أدواته، وينبغي أن يسبق المؤسسات الأخرى لأنه قدوة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى