نذير نبعة : طوى أجمل اللوحات السورية ورحل !

خاص :

كثير من السوريين يعرفون الفنان التشكيلي نذير نبعة منذ الطفولة، ليس لأنهم كانوا يزورون المتاحف والمعارض التي تجمع لوحاته، وإنما لأنه كان يرسم للأطفال في مجلة أسبوعية جميلة هي مجلة : أسامة .

وقد جمعت مجلة ((أسامة)) في ستينات القرن الماضي ، ولفترة طويلة تالية مجموعة فنانين تشكيليين كبار من بينهم : نذير نبعة وممتاز البحرة ولجينة الأصيل، أي أن أولئك الذين كانوا يقرؤون مجلة أسامة كانوا يعرفون خطوط نذير نبعة وألوانه وشخصياته قبل أن يتعرفوا على لوحاته الشهيرة.

توفي نذير نبعة، قبل أيام، وهو يستعيد طفولته مثل كثير من السوريين الذين يتذكرون رسوماته، ورأيناه يقول : “كنتُ طفلاً، شارداً في البساتين بين الأشجار والسواقي”، ومن يعرف دمشق في الفترة التي يتحدث عنها نذير نبعة يعرف معنى عبارته عن الأشجار والسواقي والألوان الدمشقية البكر التي أحبها في المزة .

ويوم كان نذير نبعة يفعل ذلك في المزّة، لم تكن المزة كما هي اليوم أحد أحياء مدينة دمشق تعج بالسيارات والفيلات ومطاعم النخبة. كانت قرية تعج فيها ألوان الأشجار والصبار والورد الجوري وتلف نساؤها أجسادهن برداء رقيق يشبه في تفاصيله العباءة الهندية. لم يكن أوستراد المزة قد تحول إلى شارع فرعي من شوارع دمشق الكبرى كان مشروعا يراد له أن يصل المدينة بالمطار.

ولد الفنان التشكيلي السوري نذير نبعة عام 1938 ، وتوفي قبل أيام يحاول أن يرسم نافذة لهذه الحرب اللعينة التي خلطت ألوان لوحاته بالدم، فذكّرته بكل الحروب الصعبة لكنه قبل الحرب بخمس سنوات ، أي في عام 2005 نال وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة، وكان هذا يعني أنه ترسخ رسميا بأنه واحد من القامات الفذة التي كرمت قبل أن تموت.

لم تظهر المزة / القرية في ألوانه وشخوصه وخطوطه فقط، وإنما ظهر ت سورية كلها بتراثها الإنساني الكبير ، واستطاع أن يقوم بصياغة لوحاته من هذا التنوع الخالد المزوج بالأساطير السومرية والتدمرية، وفنون وجداريات ما بين النهرين، ورسوم الفخار والخزف، كما كتب عنه .

والجميل أن نذير النبعة رسم في عام 1967 عندما وقعت حرب حزيران سيئة الصيت، التي هزمتنا وإلى الآن تشعرنا بالهزيمة، رسم عدة لوحات عن النابالم وهو نوع من القنابل كانت ترميه إسرائيل على السوريين والمصريين والفلسطينيين، ولو كان نذير نبعة سيعيش لفترة مابعد الحرب الحالية على سورية والسوريين كان سيرسم عن حريق كبير يلتهم الحجر والشجر تحت اسم نابالم كوني !

آخر ما كتب عن لوحاته :

تتلمذ نذير نبعة على محمود جلال وناظم الجعفري من سورية، وعلى حسين بيكار وعبد العزيز درويش وعبد الهادي الجزار وحامد ندى من مصر. وكانت أصابعه الطفولية بدأت ترسم على قطع القماش التي كانت والدته تطرزها لفتيات الجوار وتخيطها في الوقت نفسه. وفي ما بعد اتجه إلى رسم المكان الباهر ولا سيما مدينة دمشق، ثم استغرق في مقاربة الصوفية من زاوية البحث عن مكامن النفس البشرية المعاصرة في المدينة الحديثة.

إن لوحات نذير نبعة تعكس لغة فنية فريدة مثقلة بعناصر المكان والطبيعة، علاوة على رموز التاريخ والحضارات القديمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى