نزار قباني لا يزال حيا.. يرسم بالكلمات واقعنا المتهالك
الذكرى السابعة عشر لوفاة الشاعر العربي نزار القباني، تعيد إلى الأذهان مفارقة أحلام الشاعر في وطن هادئ ومواطن سعيد، في مواجهة واقع لم يحض أي أحد من العرب، حتى نزار ذاته، بلحظة تأمل لأخذ نفس والعودة إلى الحياة.
قال عنه نقاده مؤخرا أن نبوءته اقتربت من التحقق، عندما تساءل ساخرا في سنواته الأخيرة “متى يعلنون وفاة العرب؟”. فالتوحش الذي أصبحت صوره خبز الناس اليومي، من قتل وتشريد وطائفية وعنف وذبح، أخذ مكان تلك الكلمات والصور الصادرة عن نزار في شعره والتي تتلقفها الأيدي في الصباح الباكر لتقرأها في الصحف.
تحدث نزار عن الفقر والخصاصة، آفة القسم الأكبر من المجتمعات العربية، وقال عن الفقراء في “خبز وحشيش وقمر” أن “الملايين تركض من غير نعال ولا تلتقي بالخبز إلا في الخيال”.
تقول الباحثة في اللغة والآداب والحضارة العربية التونسية جميلة الماجري أن نزار كان ولا يزال “مرآة مواطن الشارع العربي، قوّته في أنه أقام تصالحا استثنائيا بين رجل الشارع واللغة العربية”. وهو ما مكن شعره من النفاذ سريعا إلى الناس، “وإلى الآن لا يزال الملايين فعلا في ركض محموم وراء الخبز، ودون نعال”.
ويلقي نزار بضلاله منذ عقود السبعينات والثمانينات على واقع المرأة الأليم، “الكامن وراء أقبية الذكورية وتعالي التراث في صوت الرجل” حسب توصيف الباحث والكاتب التونسي منصف الوهايبي.
فانعكاس شعر نزار على واقعنا اليوم يؤدي بنا إلى النتائج نفسها: “حقوق المرأة مهضومة في مجتمع لم يتصالح بعد مع الجسد” كما يصرح الوهايبي.
ولعل قصة النساء في حياة نزار أثثت شعره بالكم الذي أرّقت فيه قضية المرأة فكر وأقلام المثقفين والصحفيين والكتاب العرب، فمن “طفولة نهد” الديوان الذي واجه به نزار التقليد والتحجر في نظرة العربي إلى المرأة، والتي ثبتتها حركات الإسلام السياسي في العقل، وصولا إلى رثاء بلقيس، زوجته التي أغتيلت في تفجير انتحاري لسفارة العراق بلبنان سنة 1981، أضاء نزار قباني أركانا مظلمة في بنية المجتمع العربي، كالطائفية والقبلية والتعصب.
فكل تلك البنى ليست سوى محلات أيديولوجية وهمية لاعادة انتاج الأنظمة القائمة على التسلط مثل الذي رآه في النظام السوري، في تناقض مع مفهوم المواطنة، اكتشفه نزار مبكرا، وعمل على تكريسه طوال حياته. وهو رهان يستمر إلى اليوم، أي بعد وفاته بسبعة عشر عاما.
وبالعودة إلى مقالات عديدة كتبت عن تأثير شعر نزار في القراء، أكد متخصصون أن للرجل قوة في جذب انتباه الناس عبر عناوين القصائد التي كانت تطبع بالبنط العريض.
ويقول الشاعر التونسي منصف المزغني أن “إدارات الصحف آنذاك (أي في فترة الثمانيات) تجبر القراء على شراء الجرائد بمجرد تكبير العنوان ووضعه في الصفحة الأولى ومعها صورة لنزار وهو يلقي أشعاره”.
وقد أكد المزغني أن الإبداع في شعر نزار القباني يكمن في ملامسته الوجدان العادي للناس بلغة بسيطة ولكنها عميقة، ويثير الخيال والحماسة والتهكم والسخرية. ويؤكد أن هذه الخصائص “هي ما نحتاجها الآن في الشعر والأدب، فراهنية شعر نزار لا تزال سارية إلى اليوم. الاشكالات التي عالجها في وقته لا نزال نعالجها اليوم”.
ويشير نزار قباني في جل أشعاره إلى ثنائية التخلف الاقتصادي والسياسي والمجتمع من جهة وواقع المرأة والحريات من جهة أخرى، في ترابط وثيق بين جملة تلك القضايا وبين التراث العربي الإسلامي.
“فقد عرّض العقل العربي إلى اختبار الاستفزاز، ونجح في ذلك” كما يقول المزغني. ويتابع أن قصائد نزار ” في حاجة اليوم إلى إعادة النشر، فالفكر الديني السياسي قد أفقد المواطن العربي قدرته على النقد والتحليل، كما أن الطائفية والقبلية التي أشيعت في الشرق الأوسط، غلبت ماهية الإنسان العربي المنفتحة والمتعايشة مع الأخر بسلاسلة وسلام”.
ميدل ايست أونلاين