نصر حامد أبو زيد: يعود إلى الجامعة

 

مرّت الذكرى التاسعة لرحيل المفكّر المصري نصر حامد أبو زيد (1943 _ 2010)، وتمر اليوم الأربعاء ذكرى مولده في العاشر من تموز (يوليو) 1943. لا تحب زوجته وصديقته الأكاديمية ابتهال يونس ذكرى الرحيل… ولا الاحتفال بها، «من المناسب الحديث عن نصر فى ذكرى مولده» تقول. شهر تموز (يوليو) هو أقسى الشهور بالنسبة إلى صاحب «نقد الخطاب الديني» وعائلته وتلاميذه ومحبيه. فيه ولد، وقد تكون مناسبة سعيدة، ولكن فيه أيضاً رحل، وفيه بدأت رحلة منفى طالت حتى رحيله، عندما سافر إلى «جامعة ليدن» الهولندية بعدما رفضت لجنة من أساتذة جامعة القاهرة ترقيته إلى درجة أستاذ. وكان من بين أعضاء اللجنة حينها عبد الصبور شاهين الذي اتهم في تقريره أبو زيد بـ«الكفر»، وانضم إليه آخرون وأصدروا كتاباً تضمن تكفيراً له، وسرعان ما تحولت القضية إلى قضية رأي عام بعدما لجأ عدد من المحامين إلى القضاء للتفريق بين نصر وزوجته ابتهال يونس. لذا كان الخروج من هذا المناخ الضاغط والتهديدات المتلاحقة هو الحل. «أنا رجل من غمار الموالي»، كان نصر يختار دائماً كلمات صلاح عبد الصبور ليصف بها نفسه وليبدأ بها ندواته، إذ كانت تحمل إجابة لكل من يسأل عن حياته، ونشأته وتكوينه.

معركة نصر الأولى كانت في أن يكون كما أراد لا كما يريد له الآخرون: كان يمكن أن يكون شيخاً أزهرياً، كما أراد والده، ولكن مرض الوالد منعه من الالتحاق بالأزهر. كان من الممكن أن يصبح عضواً فاعلاً في جماعة «الإخوان المسلمين» التي انضم إليها صغيراً، وتركها مبكراً، أو أن يستمر موظفاً صغيراً مهمته إصلاح «أجهزة اللاسلكي» بعد تخرّجه من «معهد فني لاسلكي»… ولكن طموحات الشاب كانت أكبر من أن يتم استيعابها، فقرر أن يعمل، وأن يواصل دراسته الثانوية وينتسب إلى الجامعة، وتحديداً كلية الآداب. كان يمكن أن يكتفي بما حصّله من التعليم، ويعمل مدرساً في أيّ مدرسة، ولكنه حارب من أجل أن يعمل معيداً بعد اعتراضات عديدة من الأساتذة.

أفلت من كل هذه المصائر، وأصبح «باحثاً أكاديمياً» مهتماً بفهم الظاهرة الدينية في تاريخيٌتها لا أكثر، باحثاً يطرح أسئلة، ولا يقدم إجابات. عندما طرح أبو زيد أسئلته حول «نقد الخطاب الديني» التي قدّمها للترقّي في الجامعة عام 1993، وجد نفسه مطلوباً، وكان أمامه خياران: أن يذهب إلى المحكمة ويعلن تراجعه عن أبحاثه التي أثارت الجدل، لينعم بالتالي بحماية المؤسسة الدينية، أو أن يرمي بنفسه في أحضان المؤسسة السياسية التي تريد أن تستخدمه في معركتها ضدّ تيارات التأسلم. كلا الحلّين كانا سيضمنان له الحماية التي افتقدها، وكلاهما أيضاً كانا اعترافاً منه بالهزيمة أمام محتكري الحقيقة والسلطة. اختار نصر حلاً خاصاً به لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؛ حمل حقائبه واتجه إلى هولندا استجابة لدعوة من «جامعة ليدن»، واستمرت رحلته «المنفى الثقافي» أكثر من خمسة عشر عاماً. طوال سنوات الأزمة، رفض نصر أن يكون ضحية أو رمزاً للصراع بين التفكير والتكفير، إذ لم تكن لديه إجابات جاهزة ومعلّبة لكل شيء، بل «أسئلة» يعتبرها «لن تهدم الدين ولن تزعزع اليقين».

خلال أيام، سوف تصدر ترجمة فارسية لبعض نصوص أبو زيد تحت عنوان «الرؤيا في النص السردي العربي». كما تصدر ثلاثة كتب عن حياته وخطابه للباحث جمال عمر، الأوّل بعنوان «مدرسة القاهرة: دراسة في خطابات نصر أبو زيد وجابر عصفور وحسن حنفي وعلي مبروك» (دار الثقافة الجديدة)، والثاني يضم محاضرات نصر غير المنشورة، إضافة إلى طبعة إلكترونية جديدة من سيرته: «أنا نصر أبو زيد» (دار هنداوي). وهناك أيضاً أطروحتان للماجيستر ستناقشان عن مشروع أبو زيد الأول فى قسم اللغة الانكليزية بكلية الآداب في «جامعة القاهرة» للباحث محمد كمال، بعنوان «دراسة مقارنة بين مشروعي أبو زيد وشليرماخر»، والثانية بقسم الفلسفة في «جامعة عين شمس» للباحث صبحي عبد العليم عن مشروعي: أبو زيد ومحمد أركون. عودة نصر إلى الجامعة انتصار له ولأفكاره.

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى