بعدما كثر الحديث في العام الذي نودعه )2022 )عن نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب يستطيع من يدقق في أحداث ونتائج مجريات هذا العام فيتأكد أن ما ترسخ هو نظام عالمي جديد قائم على (سوء الحسابات السياسية) لأصحاب القرار في الدول الأساسية الكبرى. فكيف تشكل هذا النظام؟؟ وكيف انعكس على الدول الصاعدة ؟؟وما عواقبه على الدول الضعيفة والتي تعاني أصلا؟؟
الحدث الدولي المركزي لعام 2022 كان الحرب الروسية الاوكرانية التي سماها الكرملين (عملية عسكرية خاصة) بينما اطلق عليها الغرب (الغزو الروسي) لأوكرانيا وهناك من أطلق عليها (الحرب الروسية على أوكرانيا) وبينما ظن كثيرون أنها ستكون حرباً محدودة ومحددة تمادت وتمدد فعلها وتأثيرها لمستوى (حرب عالمية ثالثة) وانعكست نتائجها و عواقبها على الجميع. أولاً : دمرت أوكرانيا. ثانياً : شلت أوروبا و أجهضت صعود المانيا، وجعلت الأوروبيين يعانون في معاشهم. ثالثاً : بلغ التضخم الأسواق الأمريكية وعانى حتى الأمريكي من أزمة المحروقات وارتفاع أسعارها. رابعاً: نشأت أزمة غذاء عالمية، خاصة بما يخص القمح والشعير وزيت عباد الشمس، وأصابت العالم كله غنيه وخاصة فقيره. خامساً : أطلقت سباق تسلح خطير في أربع جهات الأرض. سادساً: تم إشهار السلاح النووي كاحتمالية تختم الكارثة بقيامة لا تبقي ولا تذر. باختصار فإن كل هذه النتائج لا تعني إلا أن هذا العام حيث تنتشر U2 تنشر النزاعات والصراعات والكل يستعد للحرب وينخرط فيها بشكل من الأشكال والأخطر إن الإنسان في كل أنحاء الأرض وقع في معاناة معيشية نسبية القسوة ولكنها معاناة مؤثرة. وإذا كانت هذه هي النتائج فكيف وقعت هذه الحرب؟؟ وكيف كانت حسابات من انخرط في إطلاقها او استمرارها او الدفع لها او إستدامتها أو الاستفادة منها؟؟؟
في قراءة الوقائع بعيداً عن الأهواء أوالهوس الدعائي فإن حسابات الرئيس بوتين في ضمان إبعاد الناتو عن حدوده وحياد أوكرانيا كانت نتيجة عمليته العسكرية الخاصة أن اقترب الناتو إلى حلق روسيا وأن أوكرانيا أصبحت جبهة متقدمة للغرب والناتو تجاه روسيا. اوكرانيا التي خضعت كلياً للناتو و الغرب الأمريكي قامت حساباتها على أساس أن دعم أمريكا و الناتو لها سيمنع روسيا من القيام بأي عملية عسكرية ضدها. والنتيجة كانت دماراً شاملاً للبنية التحتية الاوكرانية ولمعظم مدنها. و أوروبا التي واجهت طلبات روسيا لضمان أمنها بتنفيذها السياسة الأمريكية عبر المماطلة في الاستجابة لهواجس روسيا. قامت حسابات أوروبا على أنه من المستحيل لروسيا أن تفكر في عمل عسكري. وكانت النتيجة أن دفعت أوروبا وتدفع ثمن لحاقها بالسياسة الأمريكية، والنتيجة المباشرة أنها تعاني من ازمة طاقة حادة أوقفت الإنتاج فيها وحدت من قدرة اقتصادها وزادت من التضخم وارتفاع تكاليف الحياة المعيشية، و أرجع أوروبا إلى الوراء. اما أمريكا التي استجرت روسيا إلى الحرب باستفزازها وبإقامة التحالفات ضدها و بتقريب الناتو من حدودها فقد قامة حساباتها على أساس أن روسيا لن تتحمل العقوبات والحصار الاقتصادي وسينهار اقتصادها، فكانت النتيجة أن روسيا صمدت اقتصادياً وعالجت عواقب العقوبات وتستمر في عمليتها، وتسببت لأمريكا والمجتمع الأمريكي بزيادة التضخم والأسعار. ورغم ان ما اصاب روسيا وأوروبا يفيد أمريكا إلا أنه في الحساب الاخير ينهك ذراعها الأوروبي والآسيوي الياباني ويبعد عنها ولو لمسافات الهند ودول الخليج العربي. أما الصين التي أبدت شيئا من الحياد العلني للحرب إلا أن حساباتها كما يبدو قامت على إرتياحها لأضعاف روسيا رغم أنها( الصديق الحميم) وقامت على دفع اوروبا ودول الشرق الأوسط إلى الإحتياج لها والتعاون معها. وربما لكل ذلك تضمنت حسابات الصين التلكوء بالقيام بالوساطة القادرة عليها بين روسيا وأوكرانيا لتجنب الحرب أو وقفها. والنتيجة كانت استشراس الغرب و الناتو بقيادة أمريكا ضد الصين، وبحلفائها الآسيويين والأستراليين تجاه الصيني كخطر والتنبه في التعامل معها مما يؤثر على حركتها في النمو والصعود. وكل من سار وراء أمريكا قامت حساباته على أساس انه يحتمي بقوة عظمى مثل اليابان واستراليا وبعض دول المنطقة. وكانت النتيجة أن أمريكا فرضت على الجميع سباق تسلح سيصب في خزانتها أموالهم.
اما الدول العربية التي دخلت العام 2022 ومعظمها منهك ويعاني حتى لقمة العيش مثل العراق والأردن وسوريا ولبنان…ألخ سارع كل منها للالتحاق بحليفه من الدول العظمى و كلها مشغولة بحربها. أما الدول العربية الغنية فاتجهت لتبحث عن مظلات أمان بين الشرق الروسي والصيني وبين الغرب الأطلسي… لم يفكر القادة العرب بأي حسابات تقوم على التعامل مع العالم والأزمة كأمة أو كدول متضامنة و لو بالحد الأدنى بعيداً عن الخلافات البينية لضمان على الاقل الأمن الغذائي وامن الطاقة الذي يدمر حياة كل عربي في الدول العربية غير الغنية وخاصة المحاصرة والمدمرة نتيجة الربيع العربي.
وهكذا بنى الكل مواقفه على سوء حسابات سياسية و أتخذ قراراته وفق حسابات خاطئة أوصلت بلاده والعالم إلى حافة الكارثة التي نعيشها ونحن نودع العام 2022.
بالفعل كان العام 2022 القابلة التي ولدت (نظام سوء الحسابات العالمي) … كم سيستمر هذا النظام في الاعتداء على حياة وامن واستقرار الإنسان في كل مكان، وإذا كان المواطن الألماني او اليوناني يعاني من الأسعار والبرد وعدم توفر الطاقة فكيف بالأردني واللبناني والسوري.؟؟؟ ومتى سيخرج العالم من سوء حسابات القادة السياسيين؟؟؟ وهو سوء الحسابات الذي تستثمر فيه أمريكا لاستمرار هيمنتها وسيطرتها ونهبها لموارد العالم….
بكل الأحوال نقول عسى أن يكون القادة أكثر تعقلاً و موضوعية و تواضعاً أمام معاناة شعوبهم… كل عام و أنتم بخير .