نعيماً سيدي

ذات يوم…أقسم صلاح الدين الأيوبي ألا يبتسسم إلا بعد استعادة بيت المقدس من أيدي الصليبيين…وأعادها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هناك من السوريين من رفض المشاركة ، في بعض المظاهرات في دمشق 2011 لأنها تخرج من الجوامع. وكانت نظريتهم المتشددة بأنواع الخيارات مثل “الجامعة لا الجامع”. “الحرية لا دين لها”. “هناك حاجة لثورة كرامة، حرية، خبز، ولا ضرورة لثورة المصاحف ، وتفاسير الائمة ، والخلاف على جنس الملائكه”.

المهم ، بقليل من التطرف ، في مجتهدات ويقينيات كل الاتجاهات…جرت مياه عكرة بين خنادق السوريين، وأصبحت الانقسامات ،لاحقاً ، تصل إلى من يلبس زي” تورا بورا” ، ومن يلبس ثياب فرسان الغزوات النبوية الأولى.

حين ابتدأت حرب الماء…بقطع مياه الفيجة (وهو النبع الذي شرب منه قابيل وهابيل قبل أن يقتتلا)… أحسست بألف إحساس وإحساس، من بينها أننا كنا في غفلة عن شيء اسمه عطش دمشق، التي تعتبر تاريخياً مدينة مياه. وإن دمشق من المحتمل أن يهجرها ساكنوها، وأنها مدينة مدعوة ، بقوة السلاح ، إلى الانقراض التدريجي. وإن النصر الذي تحققه الدولة في سحق المسلحين، الذين يهددون بتعطيش دمشق مائة عام. (لماذا مئة عام ، وكيف؟) أفظع وأغرب أنواع الانتصارات في التاريخ. ويكون نصر المسلحين مصبوغاً بلعنة أبدية تنطلق من حناجر الملايين المتشققة عطشاً، وهي ماضية في التيه.

من بين الأحاسيس…تلك الآتية من عذاب ومرارة الحصول على الماء ،خارج أماكن وجودها …الحنفيات.

إن الأطفال هم أبطال البحث عن أي صهريج يبيع، أو ترسله الدولة، وعن أي حنفية في حديقة، حاملين كل أشكال الأواني.. حتى الطناجر، وسطول الدهان.

من بين الأحاسيس…هذه المشاعر العدوانية بين باعة الماء في الطرقات والأكشاك ، وبين الناس الملهوفة.

من بين المشاعر، وأنا أبحث عن أي ماء ،صرت أتسلى مستعملا فضول الكاتب ، بالتفكير بمن لا ينقص برادهم، ولا ينقطع حمّامهم، ولا يفكرون بدرجة غليان موت جراثيمهم…لأن لهم سماء خاصة بهم ترويهم وتغسلهم وتحمم يوم خميسهم، وجمعة نزهاتهم وصلواتهم…

خطر ببالي، وأنا أسير، ذلك الصديق الذي أصرّ على فكرته…” أنا ضد هذا النظام ، ولكنني لن أخرج ضده من الجامع “.

وصلت قرب أحد الجوامع فوجدت الطوابير على الحنفيات الموزعة على جدران الجامع… وهناك وجدت صاحبي يقف وعلى وجهه تكشيرة تشبه النسر الأمريكي المنتوف الرقبة. حاملاً وعائين بلاستيكيين.

اقتربت منه…وقلت بصوت منغم : “الجامعة لا الجامع”. التفت بقوة ليجدني أضحك قائلاً:

كلنا تخرجنا من الجامعة لكي تصبح بلادنا شبعانه “خبز، حرية، كرامة” ولكننا ، مع الأسف، لم يخطر ببالنا أن تنزل بلادنا إلى مستوى … “عطشانه”.

تركته ومضيت، وأنا أعلم أنه كان يفضّل ظمأ الدهر، ليتجنب مخالفة قناعاته…

ولكنه الماء…

الماءالمتوفر في بيت السلطه وبيت الله

نحن في اليوم العاشر.

سخّنت طنجرتين، وتعلمت في الحمام كيف أدهن جدران جسدي برذاذ ساخن ، ومن الطبيعي ألا تكون السعادة بعد هذا الحمام، تنقط من شعري المبتل. ولكن فوجئت بقدرتي على الابتسام دون أن تحرر فلسطين من البحر إلى النهر، ومن الجامع إلى الجامعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى